«شو بيصرلهن المتهمين قبل الجلسة كلهن بيمرضو؟» السؤال للقاضية رلى جدايل، بعد أن نادت على المتهم م. ك. في قاعة محكمة جنايات صيدا. جواب محامية المتهم لم يقنع القاضية. سوف أؤجّل القضية إلى جلسة الاثنين المقبل، وعليك أن تحضري برفقة المتهم مع تقرير طبي يثبت المرض، تقول القاضية جدايل، قبل أن تطلب إلى قوس العدالة ثلاثة متهمين بخطف محيي الدين حشيشو من منزله في عبرا بتاريخ ١٥ آذار ١٩٨٢.
حضر أمام القاضية كلّ من فؤاد شاكر يرتدي زي شرطة بلدية لبعا برفقة محاميه جورج نجم، ونصر محفوظ برفقة محاميه ريشار شمعون، فيما تقدم المحامي سليمان لبّوس بتقرير موقّع من الطبيب رمزي عزيز يفيد بأن موكله سعيد قزحيا يعاني من ألم في أسفل الظهر، وتلزمه الراحة ثلاثة أيام، وأنه يتعذّر عليه الركوب في السيارة. تلت القاضية التقرير وضُمّ إلى الملف، ليستقر إلى جانب عشرات التقارير الطبية التي تقدم بها المتهمون. ويبيّن جدول جلسات المحكمة في هذه القضية المرفوعة منذ عام ١٩٩٣ أنه بين ١٢/٢/٢٠٠٢ و٢٨/١٠/٢٠٠٧ تغيّب المتهمون أو محاموهم بالتناوب عن جميع الجلسات، ما أدى إلى تأجيلها: محفوظ (١١ مرة) قزحيا (١١ مرة) شاكر (٤ مرات) محامون (٣ مرات).
جديد جلسة أمس أن القاضية جدايل قررت القيام باستجواب تمهيدي للمتهم محفوظ، فسألته عمّا إذا كان يقرّ بالتهمة الموجّهة إليه، فأنكر. اكتفت القاضية بذلك، وقررت تأجيل الجلسة. وكيل المدّعية نجاة حشيشو، المحامي نزار صاغية، قال للقاضية: «لا أريد التشكيك في صحة التقارير الطبية، لكنني أطلب أن يكون موعد الجلسة الأسبوع المقبل». ردّت القاضية «لستَ أنت من يحدّد موعد الجلسة. ما زلنا في مرحلة ضمّ المحاضر وإعادة الاستماع إلى شهود، لذلك أقرّر تأجيل الجلسة إلى ٣/١١/٢٠١١».
ماذا قصدت القاضية جدايل بقولها إن القضية لا تزال في مرحلة «ضمّ المحاضر وإعادة الاستماع إلى الشهود»؟ يستدل من محاضر الجلسات السابقة أن القضية كانت تتجه إلى المرافعة النهائية والنطق بالحكم، لكن منتصف العام الماضي، أي بعد ما يقارب عشرين سنة من بدء الدعوى، انضم وكيل رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، المحامي سليمان لبّوس، إلى الدعوى وكيلاً عن المتهم قزحيا، وطلب استمهاله للاطلاع على الملف وإعادة الاستماع إلى بعض الشهود، وطلب حضور شهود جدد. ومهما تكن أسباب توكيله، فإن حضوره بما يمثّله في دعوى خطف مَعْْزُوّ إلى القوات اللبنانية، يولّد لدى الضحية (نجاة) اعتقاداً مشروعاً بأن ردّ القوات على الدعوى ليس المساعدة في كشف المصير، بما قد تملك من معلومات، بل المواجهة المباشرة.
وبالعودة إلى استجواب القاضية للمتهم محفوظ، يتبيّن أن إنكاره ليس بجديد في محضر استجوابه في دائرة التحقيق لدى المحكمة الاستئنافية عام ٢٠٠٠، حيث ادّعى محفوظ أنه كان موجوداً في مكان الاختطاف لحظة وقوعه، لكن بداعي الاستفسار عن الامتحانات في الجامعة اليسوعية، وأنكر أنه ينتمي إلى القوات اللبنانية، كما أنكر معرفته بالخاطفين، فيما يؤكد أحد الشهود أنه سأله عن منزل حشيشو، وأنه أرشده إلى منزل الأخير، علماً بأنه يومها كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد فرضت حظر تجوال، وأُعلن الإضراب العام ٧ أيام حداداً على مقتل الرئيس بشير الجميّل.
بعد أيام ستحزم نجاة حشيشو أمتعتها وتسافر إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث يقيم أولادها وأحفادها. «إذا كان هناك من يعاني من ألم في الظهر لثلاثة أيام، فأنا أعاني من ألم في القلب منذ ثلاثين عاماً. لن أسمح لليأس بأن يدخل قلبي. القضاء ملاذي الأخير»، تقول حشيشو لـ«الأخبار» عند مدخل قصر العدل في صيدا، قبل أن تغادر.