توفيت أم أنطوان، والدة جوزف صادر، قبل أن تعرف شيئاً عن مصيره بعد أن أُخفيَ قسراً يوم 12 شباط 2009. أما زوجته وأولاده الثلاثة فلن ييأسوا من انتظار عودته. هم ينضمون بكل أسف إلى آلاف الأمهات والأشقاء والشقيقات والزوجات والأولاد الذين لا يمكن أن ينسوا أحبّاءهم الذين «اختفوا»، حتى لو مرّ دهر على اختفائهم. التقت أم أنطوان أوديت سالم التي قتلتها سيارة قبل أن تعرف شيئاً عن ولديها. أوديت التي لم تترك باباً إلا طرقته بحثاً عنهما، رحلت تاركة خيمة الاعتصام التي كانت تبيت فيها لتذكّر العالم بقضية أكثر من 15 ألف مفقود ومفقودة في لبنان منذ الحرب.
إن شرعية الدولة يفترض أن تكون مرهونة بالتزامها الفعلي بخدمة الناس وبتأمين حقوقهم الأساسية. هل يدرك المسؤولون في لبنان ذلك؟ هل يدركون أنهم مسؤولون عن حياة المواطنين وسلامتهم؟
البعض منهم يدركون ذلك جيداً ويسعون إلى الشرعية، لكن من دون جدوى، بسبب تلكّؤ رؤسائهم، فتبقى جهودهم محصورة بنياتهم من دون أن يتحقق شيء.
وقّع لبنان على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري عام 2007، وأوردت الحكومة في بيانها الوزاري عام 2009 أنها ستعمل على إبرامها «فور توافر الظروف السياسية، الداخلية والخارجية، الملائمة لذلك»، فلم تُبرمها ولم تصدّق عليها حتى اليوم، لأنه لا أحد كلّف نفسه عناء النظر المنهجي في «توافر الظروف» أو عدمه.
أما بخصوص اقتراح إنشاء هيئة وطنية مستقلة مخوّلة التحقيق في مصير الأشخاص المفقودين وضحايا الاختفاء القسري، فوافقت الدولة عليه كذلك. لكن توقف الأمر عند هذا الحدّ، ولم تترجم الموافقة إلى أفعال. وكان قد سبق للدولة أن ألّفت هيئة وطنية للتحقيق في قضية المفقودين، لكن لم تستكمل تلك الهيئة أعمالها، على أن تتابع جهودها، بحسب المسؤولين في الدولة، «عندما تسمح الظروف السياسية، الداخلية والخارجية، بذلك»....
وبشأن عملية تحديد هوية الضحايا عن طريق إعداد قاعدة بيانات للحمض النووي ونبش القبور الجماعية وتأليف لجنة وطنية معنية بالأشخاص المفقودين، فقد وافقت الدولة على ذلك «انطلاقاً من التزام الدولة اللبنانية بقضية المفقودين وتحديد مصيرهم». وبقي كلّ ذلك حبراً على ورق.
توفيت أم أنطوان والحرقة في قلبها على جوزف، وعلى كلّ جوزف لم يعد إلى أهله ولا يعرفون عنه شيئاً في هذا البلد الحزين.