البقاع | ثلاثة عشر عاماً مرّت، فيما منزل الأرملة وصال وهبي طليس لا يزال «مشغولاً» من الجيش. السيدة الخمسينية لم تيأس من المطالبة بإخلائه، فهي تنتظر بفارغ الصبر استعادة منزلها في بلدة بريتال. المناشدات والمطالبات، الخطية منها والشفهية، التي وجهتها السيدة إلى كل من قيادة الجيش وعدد من المسؤولين، «ما عطت نتيجة»، مستغربة سبب اختيار منزلها ليصبح «ثكنة عسكرية، علماً بأن زوجي الراحل لم يكن مطلوباً ولا طافراً ولا فاراً من وجه العدالة».حالة استخدام الجيش لمنزل طليس ليست استثناءً في بعلبك ـــــ الهرمل، بل تشمل ثمانية منازل غالبيتها لمطلوبين ومشتبه فيهم، فيما نساء هؤلاء وأولادهم يعيشون في منازل بالإيجار، أو يحتضنهم الأقارب. تتوزع المنازل التي يستخدمها الجيش بين بريتال ودار الواسعة والشراونة والكنيسة. في بريتال يسكن الجيش منزل كلّ من فوزي طليس (منذ 13 عاماً)، ومنزل م. إ. (منذ نيسان 2009)، فيما أُخلي منزل م. ط. قبل أربعة أشهر. في الكنيسة ثمة منزلان يستخدمهما الجيش (منذ كانون الأول 2008)، يملكهما كلّ من ن. ز. وشقيقه ز. ز. أما في دار الواسعة، فهناك ثلاثة منازل يستخدمها الجيش، بعد حادثة مقتل أربعة عسكريين وجرح ضابط على طريق عام رياق ـــــ بعلبك الدولية في 13 نيسان 2009، وتعود ملكية المنازل إلى كلّ من علي. ج. (قتل على يد الجيش بتاريخ 27 آذار 2009)، وشقيقه ح. ج. ووالدهما ع. ج. ويضاف إلى اللائحة أيضاً منزل ح. ج. نفسه في محلة الشراونة ـــــ بعلبك.
مسؤول أمني رفيع أكد لـ«الأخبار» صحة المعلومات عن المنازل التي يستخدمها الجيش في محافظة بعلبك ـــــ الهرمل، موضحاً أن هذه المنازل هي من ضمن لائحة لبيوت يسكن فيها الجيش على كافة الأراضي اللبنانية، «وهي ليست بالضرورة لمطلوبين أو مشتبه فيهم بأعمال جرمية مخلّة بالقانون»، ويوضح أن استعمال هذه المنازل يأتي ضمن سياق «حفظ الأمن والاستقرار، ولفترات زمنية محددة». أما عن المواطنين الذين يطالبون بإخلاء منازلهم، فأكد ضرورة تقدمهم بطلبات خطية إلى قيادة الجيش «التي ستستجيب فوراً لطلبات الإخلاء».
في المقابل، أخذت بلدية بريتال ولجنة متابعة قانون العفو العام في بعلبك ـــــ الهرمل على عاتقهما مسؤولية تقديم المساعدة للأهالي والعمل لإعادة منازلهم التي يحتاجون إليها. رئيس بلدية بريتال عباس إسماعيل عبّر عن تقديره الكبير لحاجات الجيش وظروف المؤسسة العسكرية، لكنه لفت إلى «ضرورة أن تأخذ المؤسسة العسكرية حاجة الناس في الاعتبار»، مشيراً إلى أن طلبات كثيرة تقدم بها الأهالي تشدّد على حاجتهم إلى منازلهم وأرزاقهم، لكنهم لم يحصلوا على «ردّ إيجابي» متمثّل في الإخلاء، ومن بين هؤلاء منزل المرحوم فوزي طليس منذ 13 عاماً.
رئيس لجنة متابعة قانون العفو العام في بعلبك ـــــ الهرمل أحمد صبحي جعفر أكد لـ«الأخبار» احترام المؤسسة العسكرية وتقدير أعمالها، لكنه انتقد «المكوث الطويل» في أربعة منازل في كل من دار الواسعة والشراونة، وأربعة في قرى وبلدات أخرى، «من دون أيّ مسوّغ قانوني». يضيف جعفر «يقولون إننا نعيش ضمن دولة تحكمها القوانين والنصوص الدستورية، فإذا كان هناك أي قانون أو عرف يسمح باستخدام المنازل بهذه الطريقة والمدة، فنحن تحت القانون لا فوقه، أما إذا لم تتوافر الحجة القانونية، فيجب إنهاء هذه الحالة».
بدوره، تولّى الناطق الرسمي باسم لجنة متابعة قانون العفو، قاسم طليس، الإشارة إلى أن اللجنة لم توفر أياً من المسؤولين لمعالجة المشكلة، بدءاً من رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي أكد «المساعدة»، وصولاً إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي «تجاوب إلى حدّ كبير مع الموضوع، مبدياً استغرابه من استمرار هذه الحالة»، إلا أن طليس أكد أن ذلك لم يؤدّ إلا إلى «خروج الجيش من منزل م. ط. قبل أربعة أشهر». وشدد طليس على أن المدخل إلى الحل والمعالجة لا يكون «إلا بقانون تعليق الأحكام الجزائية الصادرة من المحاكم في كافة درجاتها، المنفذة والتي هي قيد التنفيذ، وتلك العالقة أمام المحاكم، إضافة إلى استرداد جميع المذكرات والبلاغات في جرائم الحق العام حصراً».
أما من الناحية القانونية، فتُعدّ مصادرة الجيش، سواء لمنازل مطلوبين أو غير مطلوبين في بعلبك ـــــ الهرمل، «غير قانونية» بحسب ما أكد النائب المحامي غازي زعيتر الذي أوضح أن القانون الرقم 550 الصادر بتاريخ 20/10/2003، أشار في المادة الأولى منه إلى الحالات التي يمكن فيها الجيش مصادرة عقارات، «وهي حالة الحرب المعلنة، وعند إعلان منطقة عسكرية، أو إعلان حالة الطوارئ من قبل رئيس الجمهورية، ويجري ذلك بقرار معلّل من وزير الدفاع الوطني بناءً على اقتراح قائد الجيش». وبما أنه لا وجود لحرب معلنة أو حالة طوارئ، ومنطقة بعلبك ـــــ الهرمل ليست منطقة عسكرية، كما يؤكد زعيتر، «ولا وجود لقرارات مصادرة، الأمر الذي يفرض تطبيق نص المادة العاشرة من القانون 550، الذي يقضي «بالإخلاء الفوري للعقارات المشغولة من قبل الجيش دون قرارات مصادرة».



وفي بريتال قصة عمرها 37 عاماً

تعيش بلدية بريتال تحت وطأة ضغط كبير من الأهالي الذين يطالبون باستعادة عقاراتهم في البلدة، التي استأجرتها الدولة منذ عام 1974 ولم تدفع بدل إيجارها حتى اليوم. فقد أشار رئيس بلدية بريتال إلى وجود عقارات تابعة لأهالي لبلدة بريتال (ملايين الأمتار)، هي عبارة عن حصص موروثة، ممسوحة وتتمتع بأرقام، وفيها سندات تمليك، من ضمنها حقل الرماية التابع للجيش، ويطالب الأهالي باستعادتها. البلدية والأهالي تقدموا بدعوى قضائية بغية استرداد أملاكهم، إلا أن المشكلة بحسب إسماعيل تكمن في أن «محامي الدولة يتغيّب عن حضور الجلسات، فتؤجّل أشهراً»، مشيراً إلى أن محامي البلدية يؤكد، بحسب اطلاعه ومتابعته، أن «قيادة الجيش متعاونة إلى أقصى الحدود في حل المسألة، ولكن يبحثون في طريقة حل إدارية».