يُحكى أن باخرة فرنسية غرقت عام 1958 قبالة شاطئ الأوزاعي ـــــ جنوب بيروت. أعلن آنذاك أصحاب الباخرة أمام الناس أن ليرة ذهبية ستكون من نصيب كل من يعثر على ناجين، أو شيء مهم من الحطام. تداعى الناس من الضواحي إلى المنطقة المذكورة، نصبوا خياماً طمعاً بالذهب، فبقوا هناك أياماً لهذه الغاية. انتهت المهمة، لكن أصحاب الخيام ظلوا في مكانهم، ثم استحالت خيامهم بيوتاً من حجر من دون إذن بناء من الدولة. جاءت الحرب الأهلية عام 1975 ثم الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وصارت الدولة في خبر كان. منذ أكثر من 50 عاماً والناس يتدفقون إلى الأوزاعي ومحيطها ويبنون البيوت على أرض مشاع، وأخرى مملوكة من أشخاص غير مقيمين. ظل الأمر كذلك إلى أن أصبحت الأوزاعي كما هي اليوم، إحدى أكثر المناطق اكتظاظاً وأكثرها مخالفة في موضوع البناء «العشوائي». هذا السرد ينقله مسؤول أمني رفيع، خبر المنطقة المذكورة لسنوات عديدة، قبل أن ينتقل للحديث عن «الانفجار» الذي شهدته المنطقة أخيراً. ماذا حصل تحديداً، ولماذا الآن؟ ما سر استشراس المواطنين في وجه القوى الأمنية المكلّفة إزالة المخالفات؟ لا ينفي المسؤول وجود عناصر «موبوءة» في قوى الأمن، اعتاد الناس كفّ أبصارهم برشى وهدايا، لكن ليس كل رجال الأمن كذلك. المشكلة الرئيسية، برأي المسؤول، هي «في السياسة، الخلافات السياسية على الأرض بين التيارات المختلفة سياسياً، بل أحياناً بين الأحزاب المتحالفة».
ينتقل المسؤول للحديث عن الأيام الأربعة الأخيرة، حيث واجهت القوى الأمنية في مناطق الأوزاعي وبرج البراجنة والليلكي، وفي الضاحية الجنوبية عموماً، أكثر من 30 حالة وقوف في وجهها من الأهالي. بعضهم هدد باستعمال القنابل اليدوية والأسلحة الرشاشة، وبعضهم استعملها فعلاً، لكن الأغرب كان وقوف رجل في وجه الدورية وطفله على يديه، مهدداً برميه على الأرض إن حاول رجال الأمن إزالة بنائه المخالف. ومن المشاهد التي أدهشت المسؤول خلال الأيام الماضية، وقوف عدد من النسوة في وجه دورية جاءت لإزلة مخالفة، حيث وضعن مصاحف القرآن على رؤوسهن، فاحتار رجال الأمن ماذا يفعلون. «إذا وقع أحد المصاحف على الأرض فماذا سيحصل؟ سيؤججون المسألة بين الأهالي عاطفياً، سنصبح مجرمين وحلها إذا فيك تحلها بعد».
يورد المسؤول الأمني عقبة أخرى تحول دون قيام القوى الأمنية بمهماتها في منطقة الأوزاعي ومحيطها. ثمة عدد كبير من رجال الأمن ينتمون إلى عائلات بقاعية، يتوجهون لإزالة المخالفة فيجدون أن صاحبها من عائلة بقاعية أخرى، فإذا حصل عنف في هذه الحالة فإن عائلة رجل الأمن لا تعود بمأمن.
يبدي المسؤول تفهماً لحاجة بعض الناس إلى بناء منازل، خاصة في بلد بات شراء الشقة فيه شبه مستحيل على المواطن العادي. لكن في المقابل، يشير إلى أن بعض النافذين من العائلات «القوية» هم من يحددون المسموح لهم بمباشرة البناء، فإذا أراد شخص «غير مسنود عائلياً» إقامة منزل، يُسمح له فقط إذا دفع مبلغاً من المال، أي أن الأمر بات يشبه فرض «الخوات». يستدرك المسؤول ليشير إلى «مافيا» قوامها بعض تجّار مواد البناء من جهة، وأولئك النافذون من العائلات، الذين يناسبهم أن يبقى الأمر على ما هو عليه ليستمروا في «جني المحصول وتكبير
الثروة».



خوّات في الضاحية

لفت مسؤول أمني رفيع إلى بروز ظاهرة جديدة في بعض أحياء الضاحية الجنوبية، وهي عبارة عن أشخاص مسلحين من أصحاب السوابق، يوصفون بالأقوياء داخل أحيائهم دون علاقة بالأحزاب، يفرضون على أصحاب بعض المحال التجارية «خوّات» في مقابل السماح لهم بالاستمرار في العمل.
هذه الظاهرة بدأت تتسع لتطال مجال البناء والمولدات الكهربائية ومحال توزيع خدمة الإنترنت، فمثلاً إذا أراد أحد ما توزيع الكهرباء من أحد المولّدات، فعليه أن يدفع لـ«الأقوياء» نسبة من أرباحه، وإلا فـ«المولد سيتكسر على رأسه، وقد حصل ذلك أكثر من مرّة».