المقامات والأضرحة هي في معظم الأحيان دينية بامتياز تلبس ثياب التاريخ لأن طقوس العبادة فيها تعود الى قرون بعيدة. فللنبي عمران مثلاً مقامان: أحدهما في قرية القليلة في جنوب لبنان، والثاني في مدينة ظلالة في سلطنة عمان. وإن كانت أهمية الأول تكمن في التزام سكان القرى المجاورة له بتكريمه، فإن الثاني يعدّ من المواقع الأثرية الدينية المهمة جداً في سلطنة عمان. كيف لا وطول القبر يزيد على الـ35 متراً، مما يعطي المبنى بعداً هندسياً، إضافةً الى البعدين التاريخي والديني. والروايات تؤكد أن رفات النبي عمران موجود في كل من المقامين. فأيهما يؤويه حقاً؟ سؤال غالباً ما يطرح في جدلية المقامات، لكن غالباً ما تغلب عليه الروايات الشعبية. فأهمية هذه المباني التاريخية ـــــ الدينية ليست في حقيقة ما تؤويه بقدر ما هي في قوة الإيمان التي يعطيها إياها الزائرون، إذ غالباً ما يكون للأنبياء والصالحين أكثر من مقام. كيف لا وانتشار الديانة واسع لدرجة يستحيل معه تحديدها في مكان واحد، وخاصةً أن عادة إقامة المقامات والأضرحة تعود تاريخياً الى ما قبل نشأة الديانتين السماويتين المسيحية والإسلام. ففي القرن الرابع قبل الميلاد شيّد الملك موزول لنفسه ضريحاً رائع الجمال لدرجة أنه عُدّ من عجائب الدنيا السبع، وخلفه في بناء الأضرحة كان خلفاء الفاتح إسكندر المقدوني الذين شيّدوا له عدة أضرحة استحال معها العثور على القبر الحقيقي. وبقي المبدأ سارياً، ومع انتشار الديانات السماوية بدأت عملية نسب الأماكن الى أنبياء من العهد القديم وتخليد وجودهم عبر بناء الأضرحة والمقامات. تبدأ الإشكالية والجدل حول مقامات كبار أنبياء العهد القديم. في الشوف مقام للنبي أيوب، في صيدا مقام للنبي صيدون، في العراق مقام للنبي ذي الكفل... ولطالما كانت هذه الأماكن الدينية مراكز حج لأبناء الديانات الثلاث دون تفرقة. فلا أحد يسأل على المدخل القادمين عن دينهم، لكن، حينما تدخل السياسة في السياق، يتحول الجدل ويصبح المقام (بغض النظر عن حقيقة احتضانه الرفات) موضوع خلاف بين الدول. وهذا ما كان قد شهده لبنان سنة 1998 حينما طلبت إسرائيل من السفير البريطاني في لبنان أن يكشف على مقام النبي صيدون في صيدا لأنه مهمل، وهذا ما أعادت إحياءه إسرائيل مع العراق، حينما طالبت بإدارة مقام النبي ذي الكفل المذكور في العهد القديم. المشكلة في المقامات لا تكمن في حقيقة احتوائها على الرفات بل في إدارة دور العبادة هذه لأن لها وجهاً اقتصادياً حيّاً حينما تصبح مراكز حج.
لكن، لا خوف على النبي عمران، فالعهد القديم لا يهتم إلا بنسل الملك داوود، أمر تشارك فيه الكنيسة التي لا تبحث في نسب مريم العذراء. لذا يمكن القليلة أن تبقى مرتاحة البال، فمنافسوها بعيدون جغرافياً ومقامها يجمع ديانتين لا تلتقيان في دور العبادة المشتركة بسهولة.