علي وزنة، شاب لبناني منذ أكثر من 32 عاماً، بحسب تاريخ ميلاده، قرر أن يترك بلاد الاغتراب ليأتي إلى لبنان و«يغرق» في حب وطنه. خاض علي، المجاز في الحقوق، مباراة لكتّاب العدل شارك فيها نحو 900 شخص، لم ينجح فيها سوى 39 شاباً، كان هو من ضمنهم. ظن لوهلة أن «الحياة حلوة» وأن الشغل «ماشي» في لبنان. مضت أشهر قبل أن يكتشف أن بلاد الأرز لا تبادل الحب، في أغلب الأحيان، محبيها من أبنائها. ظهر له ولرفاقه الناجحين أن الأزمة السياسية في لبنان كفيلة بأن تعوق طموحهم المهني، وذلك من خلال استمرار حكومة تصريف الأعمال، التي لم توقّع بعد على مرسوم اقتراح تعيينهم رغم مرور 5 أشهر على إعلان نجاحهم.أمس، قرر هؤلاء الناجحون البالغ عددهم 39، بين إناث وذكور، رفع الصوت. توجّهوا إلى القصر الجمهوري قاصدين رئيس الجمهورية ميشال سليمان. حملوا معهم كتاباً مفتوحاً إلى صاحب القسم الذي دعا فيه الشباب إلى البقاء في لبنان. قالوا له في كتابهم: «مستقبلنا المهني متوقف على إصداركم مرسوم تعييننا، الذي تأخر خمسة أشهر كاملة غير مبررة، وأتينا نأتمنكم على مستقبلنا لأننا نثق بفخامتكم، ونصدّق كل وعدٍ قطعتموه لنا ولكل الشعب اللبناني في خطاب القسم».
لم يستطع الناجحون مقابلة الرئيس، وبالتالي لم يسلّموه الكتاب شخصياً. ولكنّ مستشارة الرئيس للشؤون القضائية، ريّان عسّاف، قابلتهم وتسلّمت منهم الكتاب، بحسب ما علمت «الأخبار»، وكانت «إيجابية في التعامل معهم ووعدتهم بإيصال الكتاب إلى الرئيس والعمل على تحقيق مطلبهم». إزاء هذه القضية، يبرز سؤال عن سبب عدم توقيع رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري على المرسوم، بعد إحالته عليه من جانب وزارة العدل منذ أكثر من 3 أشهر، أي قبل أن تدخل الحكومة في إطار «المعنى الضيّق لتصريف الأعمال»؟ لا يجد الشاب جورج حدّاد، وهو أحد الناجحين في دورة كتّاب العدل، جواباً عن هذا السؤال، فيستغرب كل هذه الإطالة، علماً بأن كتّاب العدل ليسوا موظفي فئة أولى، بل هم ليسوا موظفين أصلاً، بحيث ينظر إلى كاتب العدل بحسب القانون على أنه «ضابط إداري»، فلا يتقاضى من الدولة أي راتب أو تعويض، بل يرتبط فقط بوزارة العدل ويتقاضى أتعابه من أصحاب العلاقة في عمله.
مهى قصير، إحدى الناجحات في المباراة أيضاً، التي كانت أمس من ضمن الوفد الذي زار القصر الجمهوري، تستغرب «التأخير غير المفهوم، فلا نظن أن المشكلة طائفية، ولكن على ما يبدو هي التجاذبات السياسية. فقد لا تريد الحكومة أن تفتح على نفسها أبواباً مغلّقة، ولكن في النتيجة نحن المتضررون، نحن الذين يتوقف مصيرنا المهني بسبب الخلافات السياسية التي لا علاقة لنا بها». هكذا، يظهر مرّة أخرى في لبنان حجم تأثير الأزمات السياسية على حياة المواطنين، علماً بأنه يندر إيجاد مسؤول سياسي إلا يطالب شباب الوطن بعدم الهجرة، وفي المقابل يمارس السياسيون أنفسهم سياسة كيدية تجعل من كل شاب في لبنان راغباً في «الهرب» من جحيم وطن لا مستقبل له فيه.
إذاً، الناجحون في مباراة كتّاب العدل هم من المجازين في الحقوق. ولأن لديهم ما يكفي من خبرة في القانون، ضمّنوا كتابهم الموجّه إلى رئيس الجمهورية ما يدعم رأيهم لناحية عدم وجود ما يعوق التوقيع على المرسوم دستورياً في ظل حكومة تصريف الأعمال. ومما جاء في الكتاب في هذا الإطار، أنه: «بحسب المادة 64 من الدستور التي تعدد وتحدد حصراً صلاحيات رئيس الحكومة، لم تأتِ على ذكر تقليص صلاحيات رئيس الحكومة إلى حدود تصريف الأعمال بعد استقالة الحكومة في الأعمال التي يقوم بها منفرداً». هكذا، لا يفهم أصحاب الكتاب سبب مماطلة رئيس الحكومة في التوقيع على المرسوم، وخاصة أن المرسوم يحتاج إلى توقيعه شخصياً بصفته رئيس حكومة ولا يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء. أكثر من ذلك، ذكروا في كتابهم أن وزير العدل اقترح المرسوم على مجلس الوزراء قبل أن تُصبح الحكومة مستقيلة، وبالتالي قبل أن تدخل الحكومة إطار تصريف الأعمال.
أرفق الكتاب أيضاً باجتهادات دستورية تؤكد صوابية رأيهم. فعلى سبيل المثال، يرى رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني أن السند القانوني لمبدأ تصريف الأعمال «يكمن في استمرارية المرفق العام وعدم الفراغ في السلطة، ما يعني استمرار الحكومة باتخاذ القرارات التي لا يمكن ردّها، فهي تستطيع القيام بكل شيء لا يرتّب عليها أعباءً في المستقبل». رأي آخر أورد في الكتاب، نقلاً عن الدكتور إدمون رباط، يقول فيه: «الأعمال العادية تنحصر مبدئياً في الأعمال الإدارية، وفي الأعمال التي يعود للهيئات الإدارية إتمامها ويتعلق إجراؤها في الغالب بموافقة هذه الهيئات، كتعيين الموظفين ونقلهم وتصريف الأعمال الفردية التي لا يمارس عليها الوزراء إشرافاً محدوداً». وبالتالي، فإن مرسوم تعيين ناجحين في مباراة كتاب عدل هو مرسوم عادي، يوقّعه كل من وزير العدل ورئيس الحكومة منفردين (لا مجلس الوزراء) ورئيس الجمهورية. فهو لا يحتاج إلى انعقاد جلسة لمجلس الوزراء للموافقة عليه، وبالتالي لا تحول استقالة الحكومة دون إصداره.
أخيراً، في سياق الحديث عن الأسباب التي دعت إلى عدم توقيع رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري على المرسوم حتى الآن، رأى بعض متابعي هذه القضية أن المسألة بيد الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، الذي «يؤخر عرض المرسوم على الحريري، بالتنسيق بينهما، وذلك لأسباب سياسية مجهولة». هذا الغموض دفع المتابعين إلى طرح أسئلة تحليلية، منها أن الحريري يماطل في التوقيع نظراً إلى عدم وجود مناصرين سياسيين له بين الناجحين في المباراة، أو ربما لعدم اكتراثه أصلاً بالشؤون الحياتية والإدارية المتعلقة بالمواطنين، في مقابل انشغاله بالصراع السياسي الدائر في لبنان. ولكن على كل حال، الناجحون ينتظرون اليوم من «الدولة» جواباً شافياً، ويتمنون إبعاد كأس السياسة عنهم، وهم الذين لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والنظر إليهم كشباب آمنوا يوماً بأن لهم مستقبلاً في بلدهم لبنان.



مجموعة دعم على «الفايسبوك»

قرر الناجحون في مباراة كتّاب العدل لعام 2010 أن يكونوا يداً واحدة للوصول إلى هدفهم (حقهم). فبعد أشهر من مماطلة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري في التوقيع على مرسوم تعيينهم، أنشأوا مجموعة خاصة بهم على «الفايسبوك» ليتباحثوا بينهم في الخطوات التي تساعدهم. تقول ليال كريدي، وهي إحدى الناجحات، التي تنشط في المجموعة المذكورة، إن «وضع البلد ليس في أحسن أحواله، بل وضع المنطقة كذلك، وندرك أنه ليس للمسؤولين وقت كاف لمتابعة قضيتنا، نظراً إلى أشغالهم الكثيرة، ولكن نحن نريد أن نبدأ بممارسة عملنا وحياتنا المهنية». تستبعد كريدي، وهي من منطقة كسروان، أن يكون لأحد «مصلحة في تأخير مرسوم التعيين، فنحن لا نريد أن نهاجم أحداً أو نجرّح بأحد، ولا أعتقد أن ثمة مشكلة سياسية أو طائفية». بدوره، يبدي علي وزنة، الناجح في المباراة أيضاً، حماسة للتعبير عن استيائه من التأخير الحاصل، وخاصة أنّ وضعه الاجتماعي لا يسمح له بالبقاء طويلاً من دون عمل، بعد أن ترك بلاد الاغتراب وجاء إلى لبنان «حباً بالوطن». ويختم قائلاً: «كفى... ليقولوا لنا صراحة غادروا لبنان»