«صحيح أنني قلت ذلك للمسؤول الأميركي لكنني قلته خلال جلسة شخصية واجتماعية جمعت عدداً من الأصدقاء في منزله لا في السفارة أو في المكتب»، قال أحد الذين وردت أسماؤهم في محاضر السفارة الأميركية في بيروت التي سُرّبت عبر «ويكيليكس». استغرب الرجل وضع الدبلوماسي الأميركي «الصديق» محضراً دوّن فيه كلّ ما ورد على لسان أصدقائه اللبنانيين خلال حفلة عشاء خاصة دعاهم إليها في منزله. أما «الحاكم» فنفى «نفياً قاطعاً ما نقل عن لسانه» وبادر الى الاتصال بجميع «أصدقائه» ومعارفه مستدعياً شهاداتهم في وطنيته وفي حرصه الصادق على حماية المقاومة.
لكن أبرز الردود «الويكيليكسية» أتت على لسان وزير في حكومة تصريف الأعمال ونائب ينتمي الى أحد أكبر التيارات السياسية وأوسعها تمثيلاً. اللافت في تلك الردود تشابهها على رغم انتماء كلّ من الرجلين الى كتلة سياسية مواجهة لكتلة الآخر. «هذا ليس أسلوبي» قال النائب في بيانه، بل هو «أسلوب تحليلي يعبّر عن نية كاتبه وفهمه». أما الوزير فادّعى أن «البرقيات المنشور مضمونها والمنسوبة إلى السفير الأميركي فيلتمان تعبّر عن رأي السفير وعواطفه ولا يمكن أن تكون صادرة عن الوزير».
يرتكز العنصر «الويكيليكسي» في مضمون هذا النوع من الردود على الآتي:
أولاً، إن الاجتماع بدبلوماسيين أميركيين يفترض رغبة المجتمعين في إيصال رسالة أو توضيح موقف أو المطالبة بتحرّك أو للتأثير على مسار سياسي. وبالتالي فإن المسؤولين السياسيين اعترفا بفشلهما في ذلك إذ إن الدبلوماسيين الأميركيين فهموا منهم، بحسب ردّيهما، غير الذي أرادا إفهامهم إياه.
ثانياً، إذا كان فيلتمان سعى فعلاً الى تحريف ما قاله المسؤولان السياسيان في نصّ محضرَي اللقاءين مع كلّ منهما، فلماذا لم يفعل ذلك مع شخصيات قيادية سياسية مواجهة للمشروع الأميركي أكثر تأثيراً منهما؟
ثالثاً، لم تكن وزارة الخارجية الأميركية على علم، على ما يبدو، بأن محاضر الاجتماعات ستُسرّب الى وسائل الإعلام، وبالتالي لم يكن نقل الدبلوماسيين الأميركيين ما نقلوه عنهم يهدف الى التشهير بهما أو المسّ بسمعتهما، بل للبحث في كيفية اسثمار ما قالاه في مشاريعهم.
أما رئيس حكومة تصريف الأعمال فقرّر النفي. هكذا، بكل بساطة، إذ قال إن «ما ورد هو مدسوس، ولا يمتّ الى الصحة بصلة» جاهلاً أو متجاهلاً أن التصنيف السرّي للمحاضر المسرّبة عبر «ويكيليكس» يزول بعد مرور الزمن بحسب القوانين الأميركية. فالإدارة الأميركية نفسها لم تنف صحة الوثائق لأن المسؤولين فيها يعلمون جيداً أنهم سيخضعون للمساءلة والمحاسبة إذا فعلوا ذلك زوراً.
لكن في لبنان حدّث ولا حرج عن نظام المساءلة والمحاسبة. فمعظم المسؤولين السياسيين يسهمون في تعطيله بنجاح فائق.