لا يمرّ يوم واحد في لبنان من دون أن يتعرّض عامل عربي أو أجنبي لاعتداء ما. وإذا كان لا يسلّط الضوء على هذه الاعتداءات، فإن الواقع يشير إلى حوادث كبيرة، وتحديداً منذ عام 2005. في هذا الإطار، يتوقّف مسؤول أمني عند معلومات تتداولها الأوساط الأمنية، يُطلب التحقيق فيها، وتدور وفق ما قال لـ«الأخبار» حول الكشف على عدد من الجُثث المحترقة في بعض المناطق اللبنانية تبيّن أنها تعود لشبّان سوريين مُزّقت وأُحرقت أوراقهم الثبوتية بهدف تضييع هوياتهم.
وذكر المسؤول الأمني أنه تمّ التعرّف على هذه الجثث عبر فحص الحمض النووي الـDNA، لافتاً إلى أنّ هذه الجرائم غالباً ما كانت تُنسب إلى مجهول.
أشار المسؤول الأمني لـ«الأخبار»، في إطار المعلومات التي يُفترض التحقيق فيها، إلى أنه خلال الفترة الممتدّة بين 2005 و2010 أُحصي نحو 700 مفقود سوري في لبنان، طارحاً علامات استفهام حول كثرة الحوادث التي يتعرّض لها العمّال ذوو التابعية السورية. في الإطار نفسه، تفيد المعلومات الأمنية الواردة من فصائل قوى الأمن الداخلي بأن العدد الأكبر من ضحايا عمليات السلب بقوّة السلاح هم من غير اللبنانيين، وغالباً ما يكونون عمّالاً. ويُشار إلى أن عمليات السلب هذه في معظم الأحيان يُنفّذها مشتبه فيهم يدّعون أنهم عناصر أمنيون. انطلاقاً مما سبق، يتساءل أحد الأشخاص الذين تعرّضوا لعمليات سلب على يد ثلاثة مجهولين ادّعوا أنهم عناصر أمنيون في منطقة خلدة: أليس من الممكن أن يكون هؤلاء فعلاً عناصر أمنيين يستغلّون عملهم للقيام بأعمال السلب؟ ويلفت الشاب السوري المذكور إلى أنه عندما قصد المخفر للادعاء أفاد بأن سالبيه أظهروا بطاقة تعريف أمنية، لكن عناصر المخفر أخبروه بأنها مزوّرة بالتأكيد. الحادثة السابقة الذكر، تؤكد التساؤل المطروح، فما الذي يؤكّد أن بطاقة الفاعلين مزوّرة؟
كذلك تُسجّل انتهاكات أُخرى بحقّ العمال السوريين، ففي سياق اتّخاذ هؤلاء الضحايا صفة الادّعاء الشخصي بحق سالبيهم، يشكو بعضهم طريقة تعامل السلطات الأمنية مع شكواهم وتحديداً في المخافر والمفارز ومكاتب الشرطة القضائية. ففي بعض الحالات التي رصدتها «الأخبار»، سُجّل على عدد من العناصر في بعض المخافر نوع من المماطلة وتباطؤ في فتح محضر التحقيق لأسباب غير معروفة وفق ما نقله نحو ثلاثة عمّال وقعوا ضحايا لعمليات سلب. الوقائع المذكورة تُعيد إلى الذاكرة ما وُضع في التداول سابقاً عن أن العمّال السوريين في لبنان باتوا غير مرغوب فيهم من منطلق سياسي لدى البعض، وتحديداً في الفترة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فتحوّلوا من أشقاء إلى ضحايا دائمين بانتظار تغيير قد يأتي في الغد.
نظرة سريعة إلى واقع العمال في الفترة الأخيرة تبيّن أن شهر آب الماضي، مثّل «ذروة» وطُبع بوفاة 16 عاملاً عربياً في حوادث عمل أو اعتداءات، وما تلاه من أشهر وأسابيع لم تمرّ بسلام. ورغم أن أجراس الخطر تُقرع بين حين وآخر، يدقّها ناشطون من أجل حقوق الإنسان، لا يصل رنينها إلى آذان المعنيين بمعالجة وضع العمال غير اللبنانيين. وإذ يُشار إلى أن غالبية الضحايا هم من العمال السوريين، يفسر البعض الأمر بـ«عنصرية» متصاعدة تغذّيها خطابات تيارات سياسية، وهذا العداء لم يتراجع رغم تبدل الظروف والعلاقات السياسية بين لبنان وسورية في السنة الأخيرة، فيما يرى البعض أن العمال السوريين يؤلّفون النسبة الكبرى من اليد العاملة في المهن الصعبة في لبنان.
المشهد على حاله إذاً، ونظرة سريعة إلى ما شهدته الأيام الأخيرة، تبيّن وقوع 10 حوادث بُلّغ عنها، وهنا يلفت ناشطون إلى أن بعض العمال يفضّلون أحياناً عدم إبلاغ القوى الأمنية عن حادثة سرقة أو سلب بقوة السلاح تعرضوا لها، إما خوفاً من المعتدين أو لأنّ بعضهم يلقون معاملة سيئة في بعض المخافر، وفق ما أكد عدد من العمال لناشطين في جمعيات حقوقية.
سُجّل وقوع وفيات نتيجة حوادث عمل، ففي الشويفات سُجّل حادثٌ مأساوي: كان العامل خالد سعيد عبيد (42 عاماً) يحمل كميّة من البلاط في معمل تصنيعه، سقطت إحداها عليه، قيل إنه لم يصرخ حتى، التفت إليه زملاؤه ووجدوه جثة تحت الحجر. مرّ الخبر في سطرين في بلاغ، ولم يذكر أحد شيئاً عن ظروف عمل خالد، هل كان صاحب المعمل قد اتخذ كل وسائل الحماية اللازمة؟ هل أخطأ خالد في أسلوب العمل، هل حمل قوق طاقته؟ هل التحقيق حول وفاته سيستمر ويُعطى ذووه حقهم؟
كلها أسئلة معلّقة بلا أجوبة واضحة حتى الآن.
في اليوم نقسه، سقط العامل السوري أحمد يوسف العبد في مصعد ورشة يعمل في بنائها في صور، حُمل إلى المستشفى جثة، في انتظار أن يتسلمه ذووه.
السبت الماضي، نُقل بدر ح. (35 عاماً) إلى المستشفى قرب جونيه، وذلك إثر تعرضه لطعن سكين في يده اليسرى وفي فكه(!). المعتدون كانوا يريدون سرقته. أربعة شبان يستقلون سيارة حديثة الصنع أوقفوا العامل الذي كان يسير وحيداً في حارة صخر، ضربوه، طعنوه، ثم سلبوه مبلغ 300 دولار كان يحمله، وفروا إلى جهة مجهولة. المبلغ هو حصيلة شهر من العمل المضني في ورش مختلفة.
العامل حسن م. (26 عاماً) تعرض أيضاً للضرب. في الشويفات اعترض طريقه ثلاثة أشخاص مجهولين يستقلّون سيارة مرسيدس، شهروا سلاحاً في وجهه، ضربوه ورموه أرضاً، حملوا ما كان في جيبه من مال وأوراق ثبوتية، ثم فروا إلى جهة مجهولة.
الثامنة والنصف من ليل يوم الجمعة الماضي، توقف شخصان يستقلّان سيارة مرسيدس «شبح» في محطّة للوقود في بيت الدين، شهرا سلاحاً في وجه العامل محمد ح.، سلباه مبلغ مليون ليرة، ثم فرا إلى جهة مجهولة.
في قرية عرقة الشمالية، ثار غضب الأهالي عندما تعرّض الطفل نور الدين ش. (5 سنوات) لصدم بسيارة يقودها مصطفى ط.، فحين نقل الطفل، وهو ابن عامل سوري، إلى مستشفى ي. في حلبا، رفضت إدارة المستشفى استكمال علاجه لعجز أهله عن توفير مصاريف العلاج. الخلاف يومها تطور إلى تلاسن بين بعض الأهالي وعاملين في المستشفى، وكُسر زجاج إحدى الغرف. ورغم تسوية الخلاف، رأى كثيرون في هذه الحادثة تلخيصاً لما يمكن أن يتعرض له العمال، فهم يتقاضون أجوراً قليلة، ويعيشون تحت خط الفقر، ويحرمون ـــــ كغيرهم من الفقراء في لبنان ـــــ من أبسط حقوق الإنسان كالرعاية الصحية في حال الضرورة.



الحقّ في محاكمة عادلة

الاعتداءات على العمّال السوريين لم تتراجع. هذه المقولة يردّدها ناشطون في جمعيات إنسانية، يذكرون أن الأحداث التي عاشها لبنان منذ عام 2005 ساهمت في إذكاء نوع من «العنصرية» ضد السوريين. في الشهور التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومع إصرار لبنانيين على توجيه الاتهام إلى النظام السوري، استغلّ كثيرون هذه الاتهامات لينتقموا من العمال، وهو ما اضطر الآلاف منهم إلى الهروب من لبنان، وتوقفت حينها معظم ورش البناء والتزفيت وغير ذلك. لكن المشهد السياسي تبدّل، لم تعد «سورية متهمة»، إلا أن ذلك لم يعن تحسّناً في أوضاع العمال، فما زالوا «صيداً ثميناً» بالنسبة إلى مرتكبي جرائم السلب بقوة السلاح أو السلب بانتحال صفة أمنية، وحوادث العمل لم تتراجع. من جهة ثانية، تمثّل حوادث العمل التي تؤدّي إلى وفاة أكثر من عامل في الأسبوع، القضية الأبرز بالنسبة إلى المدافعين عن حقوق الإنسان. فالفقر الذي يعانيه معظم أهالي العمال الضحايا يمنعهم من اللجوء إلى محامين يدافعون عن قضيتهم أمام المحاكم اللبنانية. متابع لملفّات العمّال القضائية يقول إن شركات التأمين تدفع مبالغ زهيدة للأهالي.