«حضر اليوم إلى بيروت وفد يتألف من خبراء دوليين ليتأكد من أن الاستعدادات لإعلان القرار الاتهامي قد اكتملت» تقول المذيعة بنبرة واثقة. ويتابع زميلها بالقول «وتوقعت مصادر واسعة الاطلاع اقتراب موعد إعلان القرار الدولي». أما ضيف البرنامج، فيصرّ على «وجوب احترام إرادة المجتمع الدولي، فلبنان عضو مؤسّس في منظمة الأمم المتحدة، وبالتالي عليه الانصياع بالكامل لقراراتها»، وعندما تسأله المذيعة عن عواقب عدم تعاون لبنان مع المحكمة الدولية، يجيب بحماسة مموّهة «إنّ مجلس الأمن الدولي لن يتساهل مع ذلك، وقد يلجأ الى استخدام الوسائل المتاحة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتنفيذ القرارات الصادرة عن المحكمة»، ثم يصمت للحظات قبل أن يضيف «من بين تلك الوسائل فرض عقوبات اقتصادية على لبنان». تعلن بعد ذلك المذيعة قطع المقابلة للحظات لبث الإعلانات: «لأ مش ماشي الحال». طبعاً «مش ماشي الحال» إذا كان بعض اللبنانيين يستقوون على بعضهم بجهات خارجية.
«مش ماشي الحال» عندما يرى بعض اللبنانيين أن المحكمة الدولية منزلة من عند ربّ العالمين، وأن قضاتها قدّيسو آخر زمان. «لأ، مش ماشي الحال» عندما يثق شابّ طائش بمحكمة سرّب العاملون فيها مقابلات سرّية لشهود ومشتبه فيهم. «مش ماشي الحال» عندما تُنتهك أبسط مستلزمات السيادة الوطنية عبر استباحة محقّقين أجانب المؤسسات الرسمية، بينما تصفّق لهم «جماهير»، في طليعتها متخرّجون سابقون من معاهد التدريب العسكرية في نهاريّا... باسم العدالة وحقوق الإنسان والله والوطن والعائلة.
الفيلسوف شارل مالك، الذي شارك في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هو نفسه من استدعى المجتمع الدولي والجيوش الأميركية الى شواطئ الأوزاعي عام 1958 لضرب ثلّة من الوطنيين العروبيين بقيادة صائب سلام.
«الويل الويل من غضب المجتمع الدولي» يكرّر البعض اليوم، لكن رغم رحيل صائب بك لن تذبل القرنفلة البيضاء.
لن تذبل قرنفلة ابن المصيطبة، وما زال عطرها يملأ أزقّة بيروت وبيوتها.