قبل عامين تحديداً، «انهزّت» أرض مدينة صور وبلداتها بقوة فاقت خمس درجات على مقياس ريختر. ثم عادت لتهتزّ ارتدادياً مرات عدة في الأشهر التي تلت الهزة الأولى، ما ولّد خشية لدى الأهالي من زلزال مدمر كذلك الذي أغرق صور قبل مئات الأعوام. لكنّ الإجراءات التي اتُّخذت لضبط «هزّات البدن» التي سببتها هزّات الأرض، لم تكن شاملة أو مستمرة. وها هي الأبنية التي تضرّرت، لا تزال آهلة بسكانها على الرغم من توصيات البلديات، ومنها بلدية صور، بخطرها على العامة. ومردّ ذلك إلى أن الجهات الرسمية اكتفت بتكليف الجيش اللبناني الكشف على الأضرار من دون صرف التعويضات لترميمها. ومع «هدوء الأرض» بدا أن همّة تلك الجهات ومنها البلديات، سريعاً ما تلاشت، فلم تبادر إلى تنفيذ خطة لمواجهة هزات أقوى محتملة. لكن، في مقابل ما يشاع عن أن المنطقة معرّضة للزلازل، عادت بعض الأطراف لتتنبه إلى الأمر وتفكر في التحضير لمواجهتها، وفي طليعتها اتحاد بلديات قضاء صور الذي أطلق في ورشة عمل خاصة نتائج «مشروع دراسة تقويم واقع خدمات الطوارئ وتحليل الجهوزية في قضاء صور»، الذي نفذه بالتعاون مع وكالة التنمية السويسرية وكلية العلوم والصحة في الجامعة الأميركية في إطار مشروع تقويم واقع خدمات الطوارئ وتحليل الجهوزية. الدراسة التي استندت الى مجموعة استمارات ملأها عدد من الهيئات المعنية، ولا سيما البلديات وأجهزة الدفاع المدني، تنذر بأن صور ليست جاهزة لمواجهة زلزال، لا بل هزّات تفوق قوتها خمس درجات. والدليل أن الأهالي الذين اضطروا إلى ترك منازلهم والاحتماء بالعراء إثر الهزات في صريفا ومحيطها، لم يجدوا سوى وحدات اليونيفيل لتؤمن لهم الفرش والأغطية ووسائل التدفئة والخيم. حتى إنها عرضت آلياتها لإزالة الردم إذا ما استدعت الحاجة. وأظهرت الاستمارات أن الثغَر تكمن في الافتقار إلى التجهيزات والمعدات اللازمة، مثل سيارات الإسعاف والإطفاء المجهزة والجرافات والرافعات وآليات نقل المعدات وأجهزة الإنقاذ. وكذلك الأمر بالنسبة إلى وسائل الاتصال، مع وجود ثُغَر في تعداد أرقام الطوارئ والنقص في البنية التحتية للاتصالات وعدم وجود الأدوات والأساليب اللازمة لجمع المعلومات خلال الكوارث. كما تفتقر صور إلى الموارد البشرية بسبب محدودية العمل التطوعي وعدم وجود مواد تدريبية حديثة وآليات للتنسيق كغرفة عمليات موحدة، إلى جانب افتقاد الملاجئ المجهزة والازدواجية في خدمات الإسعاف والغموض في عمل الجهاز البلدي، ومن ضمنه الشرطة البلدية وغياب نظام موحّد للإحالة إلى مستشفيات صور.
إزاء هذا النقص، كيف السبيل إلى تحسين وضعية المواجهة؟
يرى المحاضر في الكلية شادي صالح أن هناك «حاجة إلى وضع آليات وغرفة عمليات مشتركة بين الهيئات المعنية لوضع سلّم أولويات وخطة لإدارة الكوارث». ولتعزيز الاستعداد لدى البلديات وأجهزة الإنقاذ خصوصاً، تبرز الحاجة إلى بناء القدرات على صعيد فرز المصابين في قسم الطوارئ بالنسبة الى المستشفيات وعلى صعيد نظم الإدارة البيئية وإدارة الكوارث بالنسبة الى المسعفين وعلى صعيد الوقاية من الكوارث الطبيعية بالنسبة الى البلديات وعلى صعيد إجراء تقويم سريع خلال الطوارئ بالنسبة الى الجمعيات ومهارات التنسيق والإدارة بالنسبة الى الجميع. ومن الاقتراحات الواردة على إدارة اتحاد صور لتعزيز المواجهة، تدريب العاملين في الإسعاف والدفاع المدني عبر تنظيم مدرسة صيفية دائمة وتدريب الجمعيات على أساليب إدارة الكوارث ووضع برتوكول يتعلّق بكيفية الاستجابة للكوارث ودور كل طرف وتحديد آليات التعاون مع القطاع الخاص. وتوقفت الدراسة على إمكان الاستفادة من تجربة الاتحاد في الاستجابة للطوارئ في مجال حفظ جثث الضحايا وتوزيع الحصص الغذائية إبان عدوان تموز. إشارة الى أنه جرى الاتفاق على أن تصبح الدراسة ورقة عمل الاتحاد خلال الفترة المقبلة للتوصل الى تنفيذ توصياتها مع المعنيين في القطاعين الخاص والعام.