ربما لم يخطر في بال صاحب نظرية فصل السلطات، الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو، أن ثمة بلداً اسمه لبنان سيكون مرتعاً لمختلف المغالطات الديموقراطية والعجائب الدستورية. فبلاد الأرز ديموقراطية على المستوى النظري، ودستورها ينصّ صراحة على مبدأ فصل السلطات، ومع ذلك فإن للواقع كلاماً آخر.قبل اعتبار الحكومة الحالية مستقيلة، وتحولها إلى حكومة تصريف أعمال، دار جدال عقيم، ولا يزال، بين السياسيين بشأن إحالة ملف «شهود الزور» في قضية اغتيال رفيق الحريري إلى المجلس العدلي، بين مطالب ورافض. غاب عن بال هؤلاء جميعاً أن المجلس العدلي قد أصبح معطّلاً مع نهاية العام الماضي بإحالة رئيسه السابق القاضي غالب غانم إلى التقاعد، وبالتالي لم يعد بإمكان هذا المجلس بتّ أيّ قضية محالة إليه، بحسب ما أكد مسؤول قضائي رفيع لـ«الأخبار».
وفي هذا الإطار، فقد أرجأ عضو المجلس العدلي القاضي سمير منصور، الذي يترأس المجلس مؤقتاً بصفته أعلى القضاة الأعضاء درجة، متابعة قضية مقتل «الزيادين» (زياد قبلان وزياد غندور) إلى 13 أيار المقبل، وذلك لمتابعة محاكمة المتهمين. لم يكن ثمة سبب للإرجاء سوى «شغور مركز رئاسة المجلس العدلي، إذ لا يمكن الرئيس المؤقت، القاضي منصور، بتّ أي قضية في ظل عدم وجود رئيس أصيل، كما لا يمكن عقد أي جلسة في ظل عدم توافر نصاب كامل لانعقاد الجلسات بحضور الأعضاء، وكل ما في يد القاضي منصور حالياً هو إرجاء الجلسات وتحديد مواعيد جديدة لها، على أمل أن يكون قد جرى تعيين رئيس أصيل قبل المواعيد المحددة». هذا ما أوضحه مسؤول قضائي لـ«الأخبار»، لافتاً إلى «أن تعيين رئيس جديد هو رهن تأليف حكومة جديدة، يفترض بها تعيين رئيس للمجلس العدلي يكون حكَماً رئيسيّاً لمجلس القضاء الأعلى».
هكذا، مرّة جديدة يكون المرفق القضائي في لبنان رهينة للتجاذبات السياسية، فتصبح قضايا الناس العدلية معطّلة، ويُعطل القضاء في بلاد «فصل السلطات».