إنها المرة الثالثة التي يخضع فيها خان الخياطين في طرابلس لعملية ترميم. لكن هذه المرة عبر التجار أنفسهم الذين قرروا انتشال محالهم مما أصابها من تشويه وفوضى من جراء عمليتي الترميم السابقتين. ويؤكد أصحاب عقارات وشاغلو خان الخياطين في طرابلس أنهم لم يهنأوا بمشروع إعادة تأهيل الخان وترميمه، الذي مولته وكالة التنمية الإسبانية ونفذته شركة «جينكو» تحت إشراف بلدية طرابلس والمديرية العامة للآثار، قبل نحو سنتين؛ إذ إن الأعمال التي نفذت لمعالجة الرطوبة وإصلاح الأرضية وتركيب أبواب مشابهة، جرت بطريقة سيئة، إلى درجة أن الوضع بات أسوأ مما كان عليه، وخسر المعلم طابعه الأثري فلم يعد يستقطب حتى السياح.المشكلة الكبرى التي يعانيها الخان المؤلف بناؤه من طبقتين، تتمثل في تأجير الطبقة العلوية منه مسكناً للعمال الأجانب من دون تجهيز غرفه بالبنى التحتية اللازمة. فالمياه المبتذلة التي تصرف عبر قنوات شكلية لا تلبث أن تسكن الحجر الرملي وتبدأ عملية النش على المحال التجارية في الطبقة السفلى. حينما بدأت عملية الترميم، كان المهندسون والقيّمون على تنفيذ المشروع يدركون تماماً المشكلة، لكن بما أن إتمام الحل الجذري للمشكلة أمر معقد، وخاصة أنه تتداخل فيه الملكيات الخاصة، فقرروا التغاضي عنها والعمل على تغطية البناء بالكامل بالورقة الكلسية التقليدية للمحافظة على تلك الحجارة القديمة وحمايتها من التفتت. لكن ميدانيّاً تغير الوضع والطبقة الكلسية استعيض عنها في بعض الأماكن «بالبويا البيضاء» التي هي أقل من المستوى المطلوب بعملية ترميم خان أثري، ما أدى إلى تفتتها بعد تسرب مياه الشتاء داخل الجدران. فما إن بدأت الرطوبة تجتاح الجدران حتى فعلت فعلها في الدهان وأرخت بثقلها على الأقمشة والألبسة التراثية التي يشتهر الخان بخياطتها.
ورشة التأهيل كانت قد تضمنت إعادة رصف الأرضيات بالحجارة الطبيعية الملساء التي استبدلت هي أيضاً بحجارة غير متناسقة، كأن منظر الحجارة المتداخلة المنفّر لا يكفي، ما هي إلا أشهر قليلة حتى بدأت الحجارة الجديدة تتطاير ليتحول مكانها فخاً للمارة.
وأبواب الخان مشكلة أخرى خلّفها الترميم الذي كانت الدراسات قد أكدت ضرورة إعادة تركيب بابي الخان الكبيرين، لكن حتى الآن لم يحصل ذلك. وكانت أبواب المحال الأربعة والعشرين التي يتكون منها الخان متناسقة في الشكل، وتتألف من قسمين: سفلي يستعمله الخياط مقعداً، وعلوي يرتفع ليصبح بمثابة ستارة لاتقاء مياه الأمطار وأشعة الشمس. لكن لم يراع هذا الشكل الهندسي الفريد، بل فُكِّكت الأبواب القديمة واستُبدلت بها أخرى جديدة مصنوعة من خشب يسهل كسره. وكان مقرراً تركيب ستائر من الحديد المشغول فوق أبواب المحال لاتقاء مياه الأمطار وأشعة الشمس، لكن ذلك لم يحصل أيضاً. وشملت الدراسة تأهيل الخدمات والبنى التحتية من كهرباء وهاتف ومجاري مياه الأمطار وغيرها، وهو ما حصل على نحو مبسط وخارجي. أما بالنسبة إلى إنارة الخان، فلا يزال الظلام حالكاً!
خلال سنتين اشتكى التجار، حاولوا مراراً الحصول على التصليحات الضرورية لمحالهم، لكن بما أن عملهم بقي بلا جدوى، قرروا أن يأخذوا مصير «الخان» بيدهم، وأن يبدأوا عملية ترميم لمحالهم، بما تتطلبه مصالحهم، على نفقتهم الخاصة.
يقول عشير عشوش إنه عمد إلى تلبيس الجدران والسقف بالنايلون لتفادي الترابة المفتتة التي تتساقط على الملابس وتلحق أضراراً بالبضاعة.
أما عبد الله الحمودي فقد أعاد تلبيس المحل وتغطية السقف بالخشب لتفادي مساوئ الترميم، وغيّر عملية تمديدات البنى التحتية والكهرباء التي وضعت ظاهرة، ما يمثل خطراً على المحل وسكانه؛ فأي عطل كهربائي قد يؤدي إلى احتراق المحل بالكامل، لأن الأقمشة سريعة الاشتعال. وغيّر الدرج الخشبي الذي وضع داخل المحل، فهو يعرقل عمل الخياط، وخصوصاً أنه يصعّب عملية وصوله إلى السقيفة، وهو يحمل القماش. وعمد كذلك إلى وضع ديكور خشبي داخل المحل مع مرايا، وهي ضرورية في محل الخياطة، وخزانات لحفظ الملابس.
يقول التجار إن ترميماتهم داخل محالهم خاصة بهم، وليس لأحد أن يتدخل فيها، وخاصة أن الجهات المسؤولة حينما قررت الترميم فاقمت مشاكل الخان. وهم يرون في ما جرى «عملية ماكياج خارجي للخان طمس طابعه الأثري وشوه معالمة الفريدة».