صور| حدّد القاضي المنفرد الجزائي في بعبدا تاريخ 7 شباط المقبل، موعداً لإصدار حكم بحق رجل الأعمال صلاح عز الدين وشريكيه، الموقوف يوسف الفاعور، والفارّ شوقي سلامة، وذلك في معرض الشكوى التي تقدّم بها ضدهم المدعي يوسف هاشم، عبر وكيله المحامي سامر الطفيلي. كان قاضي التحقيق في جبل لبنان قد أصدر في تشرين الأول الماضي قراراً ظنياً بحق عز الدين بجنحتي المادتين 655 و666، وبحق الفاعور بجنحة المادة 655 من قانون العقوبات، محيلاً المحاكمة على القاضي المنفرد.
جاء في نص القرار أنّ عز الدين «الراغب في الاستيلاء على أموال الناس احتيالاً، توسل مناورات احتيالية وزعم قيامه باستثمارات ضخمة تدرّ أرباحاً خيالية، واعتمد على شريكيه سلامة والفاعور لإقناعهم بالأرباح الوفيرة التي يحقّقونها إذا استثمروا في مشاريعه». وقع المدعي هاشم ضحية المشروع الاحتيالي، إذ سلّم سلامة مبلغاً كبيراً من الدراهم الإماراتية لاستثماره. ولتعزيز الثقة بين الطرفين، سحب عز الدين لأمره شيكا على بنك في الإمارات بتاريخ 14 تموز 2010 بقيمة مئة ألف درهم، تبيّن أنه بدون مؤونة.
أشار المحامي الطفيلي إلى أن ملف وكيله ضد عز الدين لم يكن الوحيد أمام القاضي، كثرة عدد المتضررين من إفلاس عز الدين، تنعكس إطالة في إنجاز الملف الى جانب الإجراءات القانونية اللازمة بهذا الخصوص، وصولاً الى استرداد كل ذي حق حقه.
ما يثير الدهشة هو انجراف الكثيرين في تيار استثمار الأموال في البورصة توسلاً للربح السريع، عبر الاستحصال على فوائد ربحية شهرية، رغم أنّ انهيار إمبراطورية عز الدين المالية لم تنجلِ ذيولها بعد. خلال فترة وجيزة تلت انكشاف إفلاس عز الدين، شهدت بلدات الجنوب عدة قضايا مشابهة. فمنطقة صور صدمت في وقت واحد بحادثتي «نصب»، الأولى كان بطلها التاجر قاسم غ. والثانية كان المصرفي يوسف د. الاثنان تواريا عن الأنظار مخلّفين وراءهما شيكات بدون رصيد، ضحاياها العشرات من الأشخاص الذين أودعوهما مبالغ مالية بغية استثمارها في مشاريع مختلفة، علماً بأنّ لعز الدين والآخرين عملاء مشتركين ولا سيما من بلدة طورا، ومنهم بسام ب. وهو تاجر سيارات، الذي استثمر أمواله مع يوسف وقاسم في الوقت ذاته، حتى إن يوسف استغل منصبه كمدير لفرع البنك الذي يتعامل معه لكي يحرر باسمه شيكات مزوّرة من دون علمه.
السيناريو تكرر في بلدة البيسارية، فقد كوّن الشاب يوسف ش. (24 عاماً)، خلال عام واحد منظومة اقتصادية انخرط في عدادها حوالى 500 شخص من أبناء البلدة وجوارها. يروي مقربون من يوسف، أنه «دخل في شراكة مع شخص يدعى يوسف ق. اعتمدت على تشغيل الأموال في البورصة في إطار شركة متخصصة مقرها بيروت. وتبيّن له لاحقاً أن شريكه كان يمهد ضمنياً لاختلاس أموال المودعين والفرار الى البرازيل مطلع الصيف الفائت، مخلّفاً وراءه شيكات محررة باسم الشريك تطالبه بتسديد التزاماته معهم، وهي فوائد شهرية من نسبة الأرباح تتخطى العشرين في المئة». اللافت، أنّ يوسف الذي وقع في فخ احتيال شريكه، قرر الانتقام منه بأن يتصرّف بنفسه مع مودعين جدد، فانتقل الى منطقته وافتتح شركة صغيرة لأعمال البورصة والصيرفة، وبدأ يقنع الناس بالتعاون مع مندوبين له، لكونه قادراً على تشغيل أموالهم وضمان تأمين أرباح شهرية بقيمة 20 في المئة من قيمة الوديعة. مثّلت النسبة المعلنة إغراءً كبيراً لكثيرين حتى زاد عدد المودعين تدريجاً، حيث إن بعضهم أودع مبالغ تفوق 600 ألف دولار، لكن بعد أقل من شهرين بدأ «المستثمر» الشاب يتعثر ويتأخر في سداد الفوائد الشهرية، في الوقت الذي استمر فيه في استقبال ودائع جديدة. تبين أنه وقع في عجز مالي بسبب محاولته تسديد الالتزامات المترتبة عليه من عهد شريكه الفار من أموال مودعيه، فيما خسر مبالغ كبيرة في البورصة. في خطوة أخرى، دخل يوسف في شراكة مع شخص يدعى حسين د. أوهمه بأنه قادر على ترميم الخسارة التي ترتّبت عليه في البورصة، لكن تبيّن لاحقاً أن حسين أيضاً حذا حذو شريكه الأول يوسف ق. واختلس منه مبالغ المودعين. علمت «الأخبار» أنّ هناك شكوى شيك بدون رصيد رُفعت ضد حسين أمام مخفر القليلة في 4 من الشهر الماضي، وصدرت بحقه مذكرة بحث وتحرّ، لكنه متوارٍ عن الأنظار. تلك العوامل مجتمعة أدت في وقت قياسي الى أن يعلن يوسف إفلاسه، ويتوارى عن الأنظار هرباً من مراجعات زبائنه، وخصوصاً بعدما بادر أحدهم قبل أكثر من شهر الى تقديم شكوى في حقه أمام مخفر العباسية بدعوى شيك من دون رصيد، لكنه ليس المتورط الوحيد، بل هناك عدد من أبناء بلدته الذين حرروا شيكات بأسمائهم تلزمهم بدفع مبالغ مالية للمودعين، بعدما لعبوا دور الوسطاء بين الناس وبينه. في محاولة للملمة الأزمة الاقتصادية التي استجدت في البيسارية وجوارها، كان لافتاً موقف أسرة يوسف، التي قررت دفع المبالغ الواجبة على ابنها ولو جزئياً، من أموالها الخاصة.
نتائج «التجربة الاستثمارية» لم تكن اقتصادية فحسب بل اجتماعية أيضاً. منذ أسابيع عدة، تُشغل المنطقة «بترقيع» التداعيات التي انعكست خلافات وزعزعة بين الأهالي في ما بينهم، وبينهم وبين عائلة يوسف. ولدى الاطلاع على لائحة المودعين، يظهر أنّ فئات مختلفة قد تورطت في الأمر. إذ نجد سيدة تمتهن صناعة الخبز المرقوق التي منها ادخرت طوال سنوات، مئات الدولارات التي أودعتها مع يوسف طمعاً بربح لا يتعدى المئتي دولار شهرياً، يمثل دخلاً ثابتاً ومضموناً من دون عناء. وعلى شاكلتها، هناك أخرى أرادت تطوير وضعها الاقتصادي بدلاً من الاقتصار على قطاف الصعتر البري. ومن بينهم شاب في التاسعة عشرة من عمره كان يعمل محاسباً في إحدى الشركات، فطلب كفالة أرباب عمله للاستحصال على قرض من المصرف يودع قيمته مع يوسف الذي سيستثمرها بدوره، إضافةً الى طالبة جامعية استدانت مبلغاً من المال لتدخل شريكة في لعبة الربح السريع. ولم يفلت من ذلك رجل في السبعينيات من عمره، أودعه آلاف الدولارات من مدخراته التي طمع في زيادتها. فضلاً عمّن باع منزله، ومن رهنت مجوهراتها لإيداع ثمنها.
يبرر محمد، وهو أحد المودعين وصديق ليوسف، سبب إقبال الناس على الأمر «بالحاجة الى تحسين الإمكانات الاقتصادية في مقابل غلاء المعيشة في لبنان، فضلاً عن الطمع بربح من دون حركة»، لكنه في المقابل، يتحسس موقف يوسف الصعب «الذي اضطر إلى أن يتوارى عن الأنظار هرباً من ملاحقة الناس، الذين قد يؤذوئه». ويدرك محمد أن «الطمع والطموح غير المسؤول قد دمرا حياة يوسف وحياة الكثير من ضحاياه، وخصوصاً الشبان منهم، الذين تأخروا أعواماً الى الوراء».
مع ذلك، أقرّ البعض بأن عدداً من المتضررين، قد كرروا التجربة مع مستثمر جديد لتعويض خسارتهم مع يوسف، فمن يتحمل نتائج إفلاس جديد؟


العقوبة القصوى: 3 سنوات

يطال القضاء صلاح عزالدين وزملاءه بموجب المادة 655 من قانون العقوبات، التي تنص على أنّ «كل من حمل الغير بالمناورات الاحتيالية على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول، أو إسناداً تضمّن تعهداً أو إبراءً أو منفعة واستولى عليها، يعاقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات، وبالغرامة من مئة الف الى مليون ليرة». تندرج تحت مصطلح المناورات الاحتيالية، الأعمال التي من شأنها إيهام المجني عليه بوجود مشروع وهمي، أو التي تخلق في ذهنه أملاً في ربح أو تخوّفاً من ضرر. الى جانب تلفيق أُكذوبة يصدقها نتيجة تأييد شخص ثالث وعن حسن نية، أو نتيجة ظرف مهد له المجرم، أو ظرف استفاد منه، فضلاً عن التصرف بأموال منقولة أو غير منقولة لمن ليس له حق أو صفة للتصرف بها، أو من أساء استعمال الحق توسلاً لابتزاز المال. ومن متعلقات المناورات، استعمال اسم مستعار أو صفة كاذبة للمخادعة والتأثير.