مثلما للبشر منظمات إنسانية تعنى بهم في فترات الحروب، للممتلكات الثقافية مؤسسة خاصة بها. Blue Shields أو منظمة الدرع الزرقاء هي ما يوازي الصليب الأحمر للحجر. تأسست الجمعية وأُقرت في اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في فترات النزاع المسلح، وبات كل معلم أثري تاريخي أو ثقافي توضع عليه علامة الدرع الزرقاء يحظى بالحماية.
وتتعهّد الدول الموقعة على الاتفاقية حماية هذه الجمعية التي أسستها كبريات الجمعيات التي تعنى بالآثار والمتاحف عالمياً. وكان الهدف منها أن تنظم وتوحد الجهود لتلبية الضرورات خلال الحروب. لكن ما حدث هو أن الجمعية التي يديرها رؤساء الجمعيات، أبرزت فشلها العميق. فهي لا تستطيع أن توحّد الجهود بسبب الانقسام الدائم داخل مجلس إدارتها. ولا يقبل علماء الآثار اليافعون بهذا الواقع، فهم بدأوا يغيّرون العمل في المكاتب الإقليمية لهذه الجمعية. في الولايات المتحدة أصبح هناك رئيسة جديدة تعمل مباشرة مع الجيش الأميركي، فتقيم الدورات التدريبية للوحدات القتالية، وتعمل على برامج متخصصة لحماية الآثار بمساعدة الجيش. وهذا ما فعلته أخيراً في هاييتي حيث بدأت كورين فاغنر (من أفراد الجيش الاميركي سابقاً وعملت في بغداد بعد سرقة المتحف)، رئيسة لجنة الدرع الزرقاء في الولايات المتحدة، العمل مع القوات العسكرية على تنسيق ورش العمل لإنجاز الإحصاءات الضرورية حول الممتلكات الثقافية في هاييتي والضرر الذي لحق بها، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أما في النمسا، فالعمل مع فريق الدرع الزرقاء (الحديث العهد) كان سريعاً جداً، وخصوصاً أن رئيس المنظمة هو ابن الامبراطور الذي تخلّى عن عرشه وأصبح ضابطاً في القوات الجوية. ويقول مارك فون هابسبرغ إنه بأت في الجيش النمساوي وحدة متخصصة بحماية الممتلكات الثقافية بعد الحروب والكوارث الطبيعية. والمكتب مؤلف من 28 ضابطاً يتبعون دورات تدريبية باستمرار ويعملون أولاً في النمسا لتحديد أفضل الطرق لحماية الإرث الثقافي. ويشرح هابسبرغ أن العمل «يجري حالياً لإدراج عمل هذا الفريق ضمن برنامج المساعدات الإنسانية التي باتت من واجبات الجيش النمساوي، وخصوصاً بعد الكوارث الطبيعية». وبذلك، سيتوجه هذا الفريق تحت إشراف مكتب جمعية الدرع الزرقاء النمساوية الى الدول كلها حينما تتطلب الحاجة ذلك. و«سيصبح العمل على إتمام الخرائط وتحديد الأضرار في الممتلكات الثقافية من واجباته أينما كان». لكن القرار النهائي لإنجاز هذا المكتب لم يؤخذ بعد، ولا يزال في انتظار القرار السياسي النهائي، الذي يؤكد هابسبرغ أنه لن يتأخر لأن النسما تنفرد أوروبياً ودولياً باهتمامها بحماية الإرث الثقافي بعد الحرب العالمية الثانية.
وإذا كان العمل جارياً حالياً على إيقاذ المكاتب الإقليمية لجمعية الدرع الزرقاء، فإن الاهم والأصعب سيكون إعادة هيكلة المكتب الرئيسي وإيقاظه من سباته العميق الذي غاص فيه منذ قرون. وهذا هو الهدف الذي حدده بعض العلماء الأوروبيين الذين يبحثون الآن في كيفية إنجاز هذا الهدف قانونياً وسياسياً. أن تستيقظ منظمة الدرع الزرقاء وتبدأ عملها فعلياً على حماية الممتلكات الثقافية هو بالطبع الحل الأفضل لحماية الإرث الثقافي عالمياً ومحلياً. فهذه المنظمة مؤهلة حسب اتفاقية لاهاي لإتمام هذه الواجبات، وتعترف كل الجيوش بسلطتها، وبالنسبة إليهم الدرع الزرقاء توازي الصليب الأحمر. وهذا ما قد يعيد موضوع حماية الآثار إلى الواجهة ويبعد حمايتها عن «واجبات» الجيوش المحتلة التي لا تريد أن تعيد الكرة بعد بغداد، والتي لا يمكن أن تنجز عملاً كهذا من دون أن ترفع علامة النصر من مبدأ أنها دول «متحضرة» تجيد تقنيات الحروب النظيفة.