سان أنطونيو| أكثر من 500 عالم آثار اجتمعوا الأسبوع الماضي في مدينة سان أنطونيو المكسيكية خلال أيام المؤتمر السنوي للمنظمة الأميركية لعلم الآثار. مؤتمر ينتظره العالم الأكاديمي لما يُطرح فيه من مواضيع جديدة في علم الآثار، ولإبراز آخر المنشورات العلمية والكتب والدراسات. وفيما البحث في بعض القاعات كان يدور حول الرسوم الرومانية أو الفخار في حوض المتوسط، احتدم النقاش في القاعات الأخرى بشأن «حماية الآثار في زمن النزاع المسلح».
فمنذ احتلال العراق وسرقة متحف بغداد ونهب المواقع الأثرية السومرية، باتت معضلة حماية الآثار في حال الحروب محور دراسات وأُطروحات ونقاشات عديدة في دول الغرب. حتى إنّ الموضوع بات يطرح على جدول أعمال كل المؤتمرات، ويدعى إليه أفراد الجيش الأميركي والعلماء المدرّسون في الجامعات على حد سواء. ففي سان أنطونيو اجتمع الفريق المختص ليوم كامل ناقش خلاله كيفية العمل وآخر الإنجازات في هذا الإطار.
علماء الآثار لا يزالون يحفّزون الجيش الأميركي على إدخال المواقع الأثرية والممتلكات الثقافية ضمن لوائح «ممنوع المس»، إذ، بحسب شهادة عميد في القوات الأميركية العاملة في العراق، هناك جهاز كمبيوتر داخل كل وسيلة نقل تابعة للجيش. وهذا الجهاز يعطي كل التفاصيل عن الأمكنة التي يمرون بها، مؤكّداً مثلاً أن هذا المبنى هو مستشفى أو جامع، ويجب عدم دخوله. وهناك بدأ الحوار عن المتطلبات لإدخال المواقع الأثرية في هذه اللوائح على شبكات القوات العسكرية، وخاصةً أنّ علماء الآثار كانوا قد زوّدوا الجيش بها قبل سنوات القتال، ويأتي رد الجيش بأن هذه اللوائح لا تتماشى مع إحداثيّاته، وفوق هذا بقيت تلك المعلومات «على الورق» ولم تُدخَل كومبيوترات الجيش، ما استفزّ علماء الآثار الذين يزودون الجيش بها. وهكذا، بدأ النقاش عن القرار السياسي على اعتبار أنه حينما تقرر الإدارة الأميركية مكننة تلك المعلومات، يجري ذلك خلال أسابيع، لكن، في انتظار القرار السياسي، تعمل الإدارة الأميركية مع بعض علماء الآثار على مشاريع صغيرة ودورات تدريبية تهدف الى تحسين الواقع.
من هذا المبدأ أوكلت القوات الأميركية إلى بعض علماء الآثار عملية إنجاز أوراق لعب رسمت عليها صوراً للقطع الأثرية التي يمكن أفراد الجيش أن يعثروا عليها خلال عملياتهم العسكرية، مستعيدةً بذلك ما قامت به أثناء اجتياحها العراق، إذ وزّعت أوراق لعب على كل صورة مسؤول عراقي مطلوب، وبما أنّ المبدأ لاقى صدى، أُعيدت الكرة مع الآثار. صور صغيرة لقطع ومواقع أثرية منتشرة على الأراضي العراقية، وتحتها جمل قصيرة تشرح القطع وتعطي توجيهات عملية بسيطة لكيفية المحافظة عليها، وقد لاقى المشروع صدى واسعاً، إذ يمضي أفراد الجيش 80% من أوقاتهم في انتظار حدث ما، ومع غياب الكهرباء يمضي العدد الأكبر منهم وقته في لعب الورق. وعلى ضوء ذلك ارتأت وزارة الدفاع الأميركيّة طباعة أوراق مشابهة لأفغانستان وهدفها تثقيفي! وبما أن إحدى أكبر القواعد العسكرية الأميركية في مصر، يجري الآن إنجاز الورق الذي يخبر عن الفراعنة، عن حضارتهم والقطع الأثرية التي يمكن اكتشافها على ضفاف النيل.
وشرح العلماء أنّ العمل يجري حالياً، في أروقة وزارة الدفاع الأميركية، لإدراج برنامج «حماية الممتلكات الثقافية في فترات النزاع المسلح»، ضمن الدورات التدريبية التي يخضع لها الجنود في قواعدهم قبل أن يتوجهوا إلى الجبهات. وقد بدأ العمل في هذا الإطار بعدما كان بعض من مؤهلي الجيش يطلبون من علماء آثار أميركيين يدرسون في الجامعات أن يقدّموا أمام وحداتهم محاضرات عن أهمية حضارات بلاد ما بين النهرين. وهناك جامعات أميركية تدرّس على الإنترنت، وتعمل مع وزارة الدفاع الأميركية، بدأت تعطي دروساً عن حضارات العالم القديم، تحضر خصيصاً للجيوش.
لماذا يعمل علماء الآثار الأميركيون على تحويل عمل الجيش، وإدخال هذه المعلومات في قاموسه؟ لأنه، بعد صراع دام عقوداً وقعت الولايات المتحدة معاهدة لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلح، التي كانت منظمة اليونسكو قد أصدرتها سنة 1958. وبهذا بات من واجباتها حماية هذه الممتلكات وعدم التعدي عليها. فكما قال أحد الخبراء في المؤتمر، «إذا كان هناك نقاط إيجابية لسرقة متحف بغداد فهي أنه حث الإدارة الأميركية على توقيع المعاهدة».
ويقول البروفسور بيتر ستون، من جامعة نيوكاسل البريطانية، إن العمل يجري حالياً بطريقة مكثفة على الجيش الأميركي لأنه إذا ما قرر هذا الأخير العمل بهذه المعايير، فستتبعه كل دول حلف الناتو، وبالتالي يصبح ذلك من واجبات الجيوش في كل أرجاء العالم». وهذا ما يعد انتصاراً في عالم حماية الآثار خلال النزاعات المسلحة. وكما يقول القسم الآخر من العلماء «نحن ليس لنا الحق في تقرير مصير الحروب. والبرهان أنّ التظاهرات المناهضة للحرب على العراق لم تصل الى أيّ نتيجة فعلية، لذا قررنا العمل من الداخل وتغيير سلوك الجنود على الأرض لكي نخفّف الضرر بانتظار القرار السياسي».