يُجمع الصيّادون على فكرة مزعجة. بحر لبنان لم يعد مأهولاً بما يكفي حاجات السوق من السمك. لكن رغم ذلك «تبقى السمكة البلدية أطيب وأشهى، ولا يُعلى على طعمها». الكلمات لشاب اعتاد الصيد منذ 20 عاماً. بدأ علي يخوض مع والده في عباب البحر، قبل أن يتخصص في بيع الأسماك بجميع أصنافها. أمّا لماذا تبقى السمكة البلدية أفضل من غيرها، فيجيب بوضوح: «تعبق فيها رائحة البحر. طازجة جداً، ولا تمر عليها ساعات قليلة قبل أن تطهى». هكذا، لا يبدو الحديث عن السمك المستورد الممتلئة به السوق اللبنانية غريباً. طبعاً، لا يعني ذلك أن السمك المستورد ليس جيداً. تقف نادين المصري أمام براد كبير للسمك. تحار في أي نوع ستأخذ إلى بيتها. تختار نوعين منتشرين بكثرة في السوق اللبنانية. سمك الـ«براق» وسمك الـ«أجاج». يشرح «أمير البحر» كما يسمّي نفسه خريطة انتشار أنواع السمك في السوق اللبنانية. السمك موجود بكثرة، ويومياً تدخل أطنان منه إلى السوق اللبنانية من أسواق خارجية عديدة. أن تأتي الأسماك من الخارج، هذا لا يعني أنها ليست طازجة. فالأسماك الآتية من تركيا والخليج وعمان لا تصمد أكثر من يوم في برادات الشحن، قبل أن تصل إلى سوق السمك اللبناني. يشير علي إلى أن معظم السمك المستورد هو «من البراق والأجاج، بالإضافة إلى الأنواع الأخرى كالسلطان إبراهيم والعرموط والملّيفة التي تأتي من مصر وتركيا والخليج». ألا يوجد إنتاج وطني من هذه الأسماك؟ يشير الصياد إلى أن هذه الأنواع موجودة، «لكن المستهلك اللبناني لا يصله منها إلا القليل، وبسعر مرتفع». السبب في ذلك هو أن حصّة الأسد من السمك الذي يُصطاد تذهب إلى المطاعم والفنادق الفخمة. ولا تحتاج معرفة أسباب انخفاض عدد الأسماك في البحر إلى كثير تحليل. يعدّد العارفون بشجون البحر سببين: التلوث الذي بدأ يصيب البحر أثناء فترة الحرب الأهلية، والصيد العشوائي، وخصوصاً بالديناميت، الذي يُقترَف يومياً. هذا النوع من الصيد ضرب أخيراً موسم السردين، إذ يشير صياد ينزل إلى البحر مرتين يومياً، عند الفجر وبعد الغروب، إلى أن موسم السردين بدأ يتغيّر ولم يعد موعده معروفاً كالسابق، حين كان موسمه يمتد من شباط إلى تشرين الثاني،بل إنه انتهى خلال العام الماضي في شهر أيار. تطور خطير، دفع وزارة الزراعة إلى منع اصطياد السردين. فبعض الصيادين يضيّقون ثقوب شباكهم، ما يؤدي إلى اصطياد «بذر السمك، أي السمك الصغير جداً الذي يتنامى ويزداد مع مرور الوقت. الصيد الجائر يقضي على هذا الصنف، وبالتالي ضرب موسم السردين، طبعاً من دون أن ننسى آثار التغير المناخي على دورة حياة المخلوقات البحرية» كما يقول علي.
يشبه سوق السمك في لبنان البورصة. ترتبط أسعاره بالكميّات المتوافرة منه. عموماً، السمك موجود بكثرة. سوقه الأساسية موجودة في سوق السمك بالكرنتينا، بالإضافة إلى أسواق مهمّة تمتد على طول مدن الخط الساحلي، من طرابلس إلى الناقورة. أمّا المعدل الوسطي لأسعار السمك في السوق فليس ثابتاً، وهو يختلف تبعاً لنوع السمك. ثمة فارق صغير بين الأسعار في التعاونيات والأسعار في المسمكات. يبلغ سعر كيلو الأجاج أو البراق ما بين 10 و14 ألف ليرة. أما «السلطان» فيبدأ سعر الكيلو الطازج منه بـ20 ألفاً. الجربيدي والفرّيدي بين 15 و 20 ألفاً، فيما يرتفع سعر اللقز بنوعيه الصخري والرملي إلى 30 و40 ألفاً للكيلو. أما الملّيفة والعرموط، السمكتان القليلتا الحسك، فتراوح أسعار الكيلو منهما بين 13 و 17 ألفاً. سمكة المسقار الكبيرة، الموجودة في البحر اللبناني ليست باهظة الثمن، ولا يتعدى سعر الكيلو منها 20 ألفاً. الغبّص والسرغوس، صغيرا الحجم، أسعارهما متوسطة، وتراوح بين 10 و15 ألفاً. أمّا الفيليه، وأغلبه مثلج، لأنه مستورد من فيتنام وتركيا ودول الخليج، فترتفع أسعاره لأنه خال من الحسك.
التمييز بين السمك الطازج وذاك المجلّد ليس صعباً. ثمّة قواعد عامة، يحفظها الصيّادون ويلقنّونها للزبائن: السمكة الطازجة عينها صافية، لا تشوبها رائحة «زنخة»، يبقى لحمها جامداً إذا أمسكتها، ويظل لون خياشيمها أحمر أو زهرياً، وكلما كان داكناً، كانت السمكة «بايتة». قليلة هي المحال المتخصصة بقلي السمك أو شيّه. أخيراً، لجأ بعضها إلى تقديم سندويش السمك للزبائن. حالياً، أسعار السمك ثابتة، وهي أفضل من أسعار اللحوم الحمراء والدجاج، فضلاً عن أنها تسبق هذه اللحوم من حيث الفائدة في هرم المواد الغذائية.