يأتينا العام الجديد مصحوباً بسيل من تسريبات ويكيليكس تفضح، كما كان مرتقباً، العلاقة الوطيدة بين الشركات الكبرى والدبلوماسية الأميركية. تظهر هذه العلاقة بوضوح في مجال الغذاء. فقد علمنا من كشف البرقيات المرسلة إلى البنتاغون أن السفير الأميركي لدى تونس كان قد اجتمع بأحد كبار رجال الأعمال المحليين، الذي تربطه (يا للصدف!) صلة قرابة بالرئيس بن علي، بهدف دفعه إلى تيسير دخول شبكة مطاعم «ماك دونالد» إلى السوق التونسية، حيث لا تزال مرفوضة شعبياً. ومن الطريف أن رجل الأعمال قد عبّر عن اعتراضه على نوعية الغذاء الذي تقدمه تلك المطاعم، إلا أنه وعد بدعم مسيرة الغذاء المعولم. حملت التسريبات أيضاً أخباراً عن دور السفارات الأميركية في تسويق بذور المحاصيل المعدلة وراثياً التي تنتجها حفنة من الشركات الأميركية على رأسها شركة «مونسانتو»، التي يرتبط اسمها بمحاولات الهيمنة على قطاعات إنتاج المحاصيل في العالم، وبانتحار أكثر من ربع مليون مزارع في الهند وحدها منذ عام 1995. واهتمام الدبلوماسية الأميركية بإدخال تلك المحاصيل غير مستغرب، حيث إنها تمثّل جزءاً أساسياً من أجندة الهيمنة الاقتصادية، لما تتيحه من فرض نمط إنتاج مكثف يخدم مصالح كبار المستثمرين على حساب صغار المزارعين. فقد أشارت التسريبات إلى أن إحدى مهمات الخارجية الأميركية هي دفع البلدان الأفريقية مثل الكونغو وبوروندي ورواندا إلى قبول الأغذية والمحاصيل المعدلة وراثياً. كذلك عملت السفارة الأميركية في باكستان إلى تسويق تلك المحاصيل لتصبح جزءاً من الاستراتيجية الزراعية. في موقف لا يخلو من العبثية، يبدو أن هناك فريق عمل يختص بإقناع الفاتيكان بأهمية الأغذية المعدلة وراثياً لأسباب... أخلاقية.