إذا كان مكتب المدّعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري يتجنّب الاشتباه في إسرائيليين يحتمل ضلوعهم في الجريمة، وإذا كان قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين ينوي تصديق قرارات اتهام لا تتناسب المنهجية التي اعتمدت لإصدراها مع معايير العدالة الجنائية، وإذا كان الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون متحمسين لتوظيف اتهامات المحكمة في عملية الابتزاز السياسي في المنطقة العربية،
واذا كان المدّعي العام دانيال بلمار ينصاع للضغوط السياسية التي تدفعه الى تأجيل تلو تأجيل لموعد صدور القرار الاتهامي ولا يجرؤ على الردّ على من يدّعي أنه يتحكّم بالتوقيت،
وإذا كان نواب ووزراء وقياديون في قوى 14 آذار وتيار المستقبل ضالعين في خطة دولية لاستخدام المحكمة للنيل من قوّة حزب الله،
وإذا كان بعض الملوك والأمراء والزعماء العرب قد استخدموا شعار العدالة للدعوة إلى إسقاط النظام في الجمهورية العربية السورية،
وإذا كان عشرات الآلاف الذين تجمهروا في الساحات العامة عام 2005 للمطالبة بكشف الحقيقة وإحقاق العدل قد تراجعوا عن مطالبهم،
وإذا كان الرئيس سعد الحريري على استعداد مجدّداً لتغيير وجهة من يتّهم باغتيال والده كما فعل أخيراً،
وإذا كان الكشف عن الحقيقة الصادقة يؤدي الى فتنة مذهبية وخراب البلد وتدمير المؤسسات،
فلا يغيّر كلّ ذلك شيئاً من مبادئ العدالة والإنصاف. لا بل إن التسوية السياسية على حساب تحقيق العدل هي تشجيع للاغتيالات والتصفيات والفساد ونسف لأبسط القواعد الأساسية التي يفترض أن تكون حجر أساس للعيش الكريم. وفي هذا الإطار، لا بدّ من الاشارة الى أن قرار عدم الاعتراف أو عدم التعاون مع المحكمة الدولية لا يلغي ضرورة تحقيق العدالة والاقتصاص من قتلة الرئيس رفيق الحريري وآخرين أياً كانوا. ولا بدّ من إطلاق آلية قضائية لبنانية وعربية بديلة يتمتع القضاة فيها بالنزاهة والكفاءة والاستقلالية.
المقاومة ترتكز على مبدأ تحقيق العدل، فلا حاجة لحزب الله في لبنان ليكون قوّة مسلّحة لو كانت العدالة مؤمّنة.