بدأت القصّة بتداول الوسائل الإعلامية خبر اختطاف خمسة عمّال مصريين في جبيل ومطالبة خاطفيهم ذويهم بفدية مالية قيمتها عشرون ألف دولار أميركي. تفاعل الخبر بدايةً نتيجة ربط تلقائي لحادثة الخطف بالتفجير الإرهابي الذي ضرب كنيسة القديسَين في مصر، لكنه لم يلبث أن استعاد سياقه الطبيعي بعد حصر الحادثة في إطار شخصي. حُكي عن خلافات مالية بين مجهولين والعمّال المخطوفين تقف وراء العملية الحاصلة، لكنّ الروايات المسوقة لم تكن تُعبّر فعلاً عن الحقيقة الكاملة. فقد تطوّرت القضية، ولا سيّما بعد تلقي شقيق إحدى الرهائن اتّصالاً من مجهول يطالبه فيه بإرسال المال إلى سوريا عبر الويسترن يونيون، وإلّا فإنه لن يرى شقيقه مجدّداً. اتصال المجهول صار مدار بحث الأجهزة الأمنية. تردّد الحديث عن تنسيق مشترك بين الأجهزة اللبنانية والسورية ومحاولات حثيثة لكشف المتورّطين في عملية الخطف. كل ذلك التشويق الذي تضمّنته قصّة الخطف فرض إضاءة إعلامية مركّزة. بدأ هؤلاء استقصاءاتهم فوصل عدد منهم إلى أحد الخيوط لتبدأ صياغة الحبكة. الخيط المذكور كان حسام عوض، شقيق الشاب المصري هشام مبروك عوض المخطوف. حسام المذكور سرد تفاصيل يعلمها لكنها لم تكن كاملة لتُعبّر عن الحقيقة الكاملة. حكى الشقيق عمّا حصل معه وحيثيات تلقّيه الاتصال. كما ذكر أنه دفع الفدية التي طُلبت منه عبر تحويلها من خلال الويسترن يونيون إلى طرطوس، مشيراً إلى أن العصابة الخاطفة أطلقت سراح شقيقه بعد حصولها على المال. وهكذا توالت الأحداث حتى وصول المخطوفين الثلاثة إلى اليد الأمنية السورية.الوقائع المنقولة حتى هذه اللحظة تؤكّد وجود عملية خطف منظّمة تقف وراءها عصابة عابرة للحدود، لكنّ الخارجية المصرية ذكرت عبر خبر نقله موقع النشرة الإلكتروني أنّ «العمّال الذين ترددت معلومات عن اختطافهم في لبنان مسجونون في دمشق بعدما دخلوا الأراضي السورية بطريقة غير شرعية». التصريح المنقول عن الخارجية أثار نوعاً من الحيرة باعتبار أنه يكاد ينفي كل ما أُشيع عن عملية الخطف والعصابة التي تقف وراءها، لكنّ مسؤولاً في السفارة المصرية في بيروت أكّد لـ«الأخبار» صحّة عملية الخطف، كاشفاً أنّ ما ذُكِر ما هو إلا تمويهٌ لحُسن سير التحقيق.
وفي مسرح الجريمة نفسه، الحدود اللبنانية ـــــ السورية المشتركة، ضبطت الجمارك السورية، صباح أول من أمس، سيارة لبنانية من نوع تويوتا حمراء اللون تحمل الرقم 192011، أثناء توجّهها إلى لبنان عبر معبر جديدة يابوس السورية، حيث كانت تنقل أموالاً من العملات الأجنبية المختلفة، بهدف تبديلها في لبنان، وكانت مخبّأة في مخبأ سرّي داخل السيارة.
مسؤول في الجمارك اللبنانية، نفى لـ«الأخبار» أن تكون السيارة قد ضُبطت أثناء دخولها إلى سوريا، مشيراً إلى أنّ المعلومات الواردة تفيد «أنّ السيارة ضُبطت وهي في حالة خروج من الهنغار السورية إلى لبنان بعد متابعة السلطات السورية لها، عندما كانت داخل أراضيها». المسؤول المذكور لم يؤكد إن كانت الأموال المصادرة أموالاً مزيّفة، لافتاً إلى أن السلطات السورية كثيراً ما تقوم بمثل هذه العمليات عند الحدود السورية لضبط أشخاص يعمدون إلى تهريب أموال من سوريا بهدف تبديلها في لبنان بعملات أجنبية. وذكر المسؤول أن أكثر هذه العمليات تجري بالاتفاق بين سوريين يريدون تبديل العملة، ولبنانيين، لكون إجراءات السلطات السورية بهذا الخصوص ليست مشدّدة على اللبنانيين بقدر ما هي مشددة على السوريين. وأشار المسؤول الأمني إلى أنّه بما أنّ القانون السوري يسمح للمواطن بحمل مبلغ معين من العملة السورية خارج الأراضي السورية، فضلاً عن التشديد على أن تكون عملية استبدال العملة تحت إشراف السلطات، يلجأ البعض الى تهريبها إلى لبنان لتبديلها.
وفي الإطار عينه، ذكر مسؤول أمني آخر في الجمارك أن السيارة تعود إلى إحدى شركات توزيع الصحف والمجلات اللبنانية، وهي تغادر الحدود اللبنانية وتدخلها يومياً بطريقة رسمية وقانونية.
هذا وكانت صحيفة «تشرين» السورية قد نقلت عن مصادر الضابطة الجمركية توقيف سيارة تهريب العملة.
وأكد الآمر العام للضابطة الجمركية العميد الركن تامر الدخيل أنه من خلال المعلومات الواردة إليه وجّه عناصر ضابطة جمارك المكتب السري نحو متابعة السيارة، فضبطت السيارة المذكورة في معبر أمانة جديدة الحدودي. وعند تفتيش العناصر المكلفة مراقبتها لها عثر بداخلها على مخبأ سري موجود تحت المقعد الأمامي بجانب السائق، ويحتوي على عملات نقدية مختلفة قدّرت قيمتها الإجمالية بـ15 مليون ليرة سورية.
إنها الحدود نفسها أيضاً وأيضاً. لا تزال في الواجهة شاهدةً على عمليات تهريب وخطف وأحياناً جرائم قتل.


لقطة

ذكر مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» أنّ عملية الخطف حصلت، مشيراً إلى أن الخاطفين أطلقوا سراح المخطوفين بعد حصولهم على المال. ولفت المسؤول المذكور إلى أن المخطوفين المخلى سبيلهم سلّموا أنفسهم للسلطات السورية، بعدما وجدوا أنفسهم بدون أوراق تشرّع وجودهم على الأراضي السورية. وذكر المسؤول المذكور أن أحد المصريين المخطوفين يقيم في لبنان بصورة شرعية، لكنّ وجودهم جميعاً على الأراضي السورية يُعدّ غير شرعيّ. وعمّا تردد عن نفي الخارجية المصرية لعملية الخطف رجّح أن تكون «طمطمة» لغايات استخبارية لا يعلمها إلّا المحقّقون المتولّون للقضية، مؤكّداً تمدّد الشبكة بين عدة دول.


مسجونون لا مخطوفون

أكّدت الخارجية المصرية إجراء اتصالات مع كل من بيروت ودمشق بشأن الأنباء المتردّدة عن اختطاف بعض المواطنين المصريين في لبنان. فقد ذكرت أنهم موجودون في السجون السورية بتهمة دخول الأراضي السوريّة بطريقة غير شرعية. وقد أعلن مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية السفير محمد عبد الحكم أنّ وزارة الخارجية وسفارتَيها في كلّ من بيروت ودمشق أجرتا الاتصالات العاجلة مع السلطات اللبنانية والسورية لكشف ملابسات الحادث. ولفت عبد الحكم الى أن السلطات السورية أبلغت السفارة المصرية في دمشق أن المواطنين المصريين الثلاثة موجودون في أحد السجون السورية، بعدما أُلقي القبض عليهم بتهمة دخول الأراضى السورية بطريقة غير شرعية. وذكر أنّ السفارة المصرية فى دمشق اتصلت للاطمئنان على المواطنين المصريين.