تعرّضتُ ليلة رأس السنة لموقف سخيف على يد أحد أجهزة القوى الأمنية التي يُفترض أن توفّر لنا الأمان في بلاد العجائب والغرائب هذه. كنت عائدة إلى مكان إقامتي في منطقة السوديكو خلال زيارتي بيروت. وبما أنّ الجو كان مائلاً إلى البرودة، فقد كنت ألفّ عنقي بكوفيتي المرقّطة الحمراء، وإذا بي أمرّ بثلاثة عناصر من قوة مكافحة الشغب يأمرني أحدهم بأن أقترب منهم. تقدّمتُ إليهم فسألني العنصر: «بتعرفي هالمنطقة هون شو؟». أجبتُ بالنفي, غيرَ مدركة، كما أفهمني أصدقائي فيما بعد، أنّ القوات اللبنانيّة ذات نفوذ قويّ في هذه المنطقة، وأنّ مقرّها يقع على مسافة قريبة على سفح التلة الصاعدة من السوديكو إلى الأشرفيّة. كرّر العسكريّ سؤاله، فأجبته أننا نقف الآن في منطقة السوديكو بحسب اعتقادي. «السوديكو، إيه»، واصل هو الآخر، «وليش لابسة هالكوفية ماشية متل بدوي أحمر؟» لم أجد رداً من شدة دهشتي لسؤال وقح عنصريّ كهذا. حينها سألني أحد العنصرين الآخرين: «شو بتشتغلي إنتي؟».
قلت له إني طالبة. أين؟ قلت في أميركا، غير مصرِّحة بجنسيتي الأميركيّة وهي الوحيدة التي أحملها.
تدخّل العسكري الثاني مستغرباً ليسأل: «وهيك بتلبسي بأميركا؟».
«نعم»، قلت بصوت هادئ، «هيك بلبس هونيك، وما حدا بيسألني شي، فليش أنت عم تسألني هون بلبنان؟». هنا، في نقلة غريبة، تدخّل العسكري الأول ليطلب إليّ أن أتصوّر معه على هاتفه النقّال! لم أرتح لطلبه الغرائبيّ (والاستشراقيّ بكلّ صراحة). بعد قليل من التردّد، مني ومنهم، إذ لم أردْ أن يوقفوني لسبب تافه، رفضتُ الامتثال إلى طلبهم وودّعتُهم معايدة إيّاهم بحلول رأس السنة. حتى الآن لا أجزم السبب الذي دفعهم إلى توقيفي: هل رأوا في الكوفيّة الحمراء «استفزازاً» بسبب رمزها إلى الكفاح الفلسطينيّ المسلّح أيّام الحرب الأهليّة، أيْ بسبب انحيازهم إلى القوات اللبنانيّة وما شابهها من تيّارات رجعيّة فاشيّة؟ أم أنهم كانوا ضجرين فحسب ولم يجدوا سواي ـــــ أنا الأجنبيّة الغريبة المنظر بالنسبة إليهم ـــــ ليتسلّوا بها ليلةَ رأس السنة؟
اللافت أنهم لم يستوعبوا كيف يمكن شخصاً قادماً من أميركا ـــــ صديقة إسرائيل وعدوّة الفلسطينيين ـــــ أن يتلفّح برمز النضال الفلسطينيّ والتيّارات اليساريّة فيه بالتحديد، بغضّ النظر عن حال هذه الحركة اليوم. بيْد أنّه في كلّ الأحوال، ومهما كان دافعي إلى ارتداء الحطّة، فذلك لا يبرِّر ردّ فعلهم العنصريّ، وخصوصاً أنه يُفترض أن يكونوا ممثلي الدولة التي يجب أن تعامل كل مَن هم في الحيّز العام من دون تمييز أو تفرقة، والأهم من ذلك من دون تحقير. ثمّ ما شأن «مكافحة الشغب» واختياراتي في اللبس؟ هل باتت الكوفيّة الحمراء رمزاً للشغب؟ ما هذا التشبيه الغبيّ من الأساس؟ وحتى لو كنتُ أشبهُ «بدوياً أحمر»، فهل أصبح وجودُ بدوي تلفّح بكوفيّته الحمراء في السوديكو نوعاً من أنواع إثارة الشغب؟
ننتظر الردّ من حضرات العساكر. أو بتعرفوا شو يا حضراتكن، بلا ما تردّوا، لأنّا عارفين إنو ما رح تحكوا شي إلو طعمة

س. م.