منذ أن اتخذها السلاجقة عاصمة لدولتهم عام 1097، باتت قونيا واحدة من أهم مدن وسط الأناضول. وبعد سقوط الحكم السلجوقي عام 1307، أصبحت مركزاً لإمارة سلالة الكرمنلي، وعام 1420 جعلها السلطان محمد الفاتح مركزاً لولاية عثمانية.لا تعود أهمية قونيا إلى كونها أبرز مدن الوسط الأناضولي فحسب، بل لأنها تضمّ مقام مؤسس الطريقة المولوية الصوفية الشيخ جلال الدين الرومي (1207 ـ 1273)، الملقب بمولانا، الذي أنشأ أربع مدارس لطريقته الصوفية في قونيا، برعاية ودعم من الأمير السلجوقي علاء الدين كيكوباد، الذي يُعدّ قصره في المدينة من الآثار السلجوقية الباقية في المدينة وتركيا.
لذلك، وانطلاقاً مما تتمتع به من مزايا وشواهد تاريخية بارزة، بيزنطية وسلجوقية وعثمانية، اختيرت قونيا عام 2010 لاستضافة فعاليات المؤتمر العالمي الحادي عشر للمدن التاريخية تحت عنوان «التراث الثقافي الحيّ في المدن التاريخية»، بمشاركة أكثر من 400 عمدة من مدن مختلفة حول العالم.
من أبرز المعالم البيزنطية كنيسة سيلا التي بنتها هيلينا والدة الإمبراطور قسطنطين عام 327، عندما مرت في قونيا وهي في طريقها إلى القدس. وموقع تشاتالهويوك أو ضهر الشوك الأثري، الذي اكتشف عام 1958، وهو من المواقع الأولى التي سكنها الإنسان، وحوّلها الى قرية تتمركز الحياة فيها حول أول معبد في العالم يعود تاريخه الى 9000 سنة قبل الميلاد.
تعدّ قونيا سادس مدينة في تركيا من حيث عدد السكان، وتضمّ أكثر من مليون نسمة، وهي من المدن المحافظة، وتعدّ معقلاً رئيسياً لحزب العدالة والتنمية الحاكم. يتوزع في المدينة نحو 3 آلاف مسجد، حسب مفتيها شكري أوزبداي، ما يجعلها تحتل المرتبة الأولى في هذا المجال، بالتساوي مع إسطنبول. كما تعتبر سلة غذاء تركيا لإنتاجها الزراعي الوفير، إذ تؤمّن قرابة ثلث حاجة تركيا من الملح الذي تستخرجه من بحيرة موجودة فيها.
يُرجع والي قونيا إيدين دوغان النقلة النوعية في قونيا وتركيا إلى عاملَي الاستقرار والإرادة، كاشفاً أن «متوسط دخل الفرد سنوياً في قونيا كان لا يزيد عام 2001 على 1550 دولاراً، وهو اليوم تجاوز 10 آلاف دولار».
عراقة قونيا وجذورها الممتدة في حقب تاريخية عدّة، لم تمنعها من المواءمة بين التراث والحداثة، لا بل إن تزايد إقبال الدّارسين والمهتمين والسيّاح إليها كل عام، دفع الحكومة التركية والسلطات المحلية إلى تطوير بناها التحتية، وإيلاء المعالم الأثرية فيها اهتماماً استثنائياً، بعدما بات مصير قونيا ومستقبلها معلّقين بهذه المعالم، وعلى رأسها مقام الرومي.