لا تشن «إسرائيل» حرباً على الشعب العربي، إلا لتنفيذ «باكدج» من الأهداف. ولعل أهم تلك الأهداف سعي الكيان الغاصب لتوسيع رقعة الاحتلال وقتل البشر، مقاومين كانوا أو مدنيين، في محاولة لزرع الرعب في قلوب الناس والسيطرة عليهم نفسياً. أما الهدف الطويل المدى، فهو اقتصادي بحت، ويشمل تدمير البنى التحية والمرافق الإنتاجية. وقد شهدنا مثالاً عن هذه الاستراتيجية خلال الحرب على لبنان عام ٢٠٠٦، حين عمدت «إسرائيل» إلى قصف الجسور والطرقات ومصانع الحليب، بهدف إعادة عقارب التنمية إلى الوراء، وهذا باعتراف قياداتها السياسية والعسكرية. وفي حروبه على فلسطين، يتبع العدو الخطة نفسها. وقد بدأها عام ١٩٤٨، حين أحكم السيطرة على الأرض والماء، أساس إنتاج الغذاء وأهم مورد اقتصادي آنذاك، جاعلاً من الفلسطينيين الذين صمدوا في أرضهم لاجئين في وطنهم. كما مارس العدو هذه السياسة بعد اتفاقية أوسلو، حين دمر المصانع والمنتجعات في الضفة وغزة، والتي كان «المجتمع الدولي» قد موّلها بمليارات الدولارات، من دون أن يصدر عن الآخر كلمة تأنيب واحدة. وخلال عملية «الرصاص المسكوب» عام ٢٠٠٨، قصف العدو مراكز إنتاج الغذاء في غزة، من مزارع وآبار ومراكز توضيب، بهدف خنق القطاع وتدمير ما تبقى من سبل العيش الزراعية وإحكام السيطرة من خلال التحكم بمصادر الغذاء. وهذا جزء أساسي من آلية الحصار على أهل غزة. وفي هجومه الأخير، تعمّد العدو تدمير ما استطاع من البنية الإنتاجية الزراعية، وقد قدرت الخسائر في هذا القطاع بأكثر من ٥٠ مليون دولار في الأيام الأولى للهجوم، كما قدّر عدد العائلات الفاقدة للأمن الغذائي بأكثر من ٧٥٪ وهم يحتاجون اليوم إلى إغاثة. وقد استطاعت مقاومتتنا العسكرية في لبنان وفلسطين تحقيق انتصارات ميدانية مميزة، لكن عليها أن تذكر أن النصر لن يكتمل إلا بالتحرر من التبعية الغذائية.