لا تجادل بائع دبس الرمان في سعره، وخصوصاً إذا كان البائع هو الصانع. شرطان لا ثالث لهما لضمان جودة المنتج: سعره المرتفع والثقة بالصانع. وما عداهما، هو مجرد «شبه» دبس ممزوج بكمية من النشاء، يستحيل اكتشافه قبل مضي أسابيع أو أشهر قليلة على تخزينه.أطيب المنكهات على الإطلاق والأكثر فائدة من الناحية الصحية والغذائية. لذلك استحق كل هذا العناء لاستخراجه، واستحق كذلك سعره المرتفع.
برفق ولين، ينزع أبو خليل حبة وراء أخرى من ثمرة الرمان. هذه الطريقة المتعبة يتبعها الرجل كي لا تختلط مرارة السائل المنبعث من القشرة ومن بعض مكونات الثمرة مع العصير الذي ينبغي أن يخرج صافياً من دون أن تعكره شائبة. تلك هي الوصفة الأولى والأصعب للحصول على عصير يصلح ليكوّن دبس الرمان الحقيقي.
المرحلة الثانية من الدبس هي سحب مخلفات القشر وخلافه، ليصار إلى عصره بطرق يدوية أو عبر ماكينات الفرم المستعملة للّحم أو الخضار والفواكه. بعد ذلك، يصفّى العصير بواسطة مصفاة أو منخل. ويجري ترقيده ليصار إلى تصفيته مرة أخرى عبر قماش دقيق المسام، ليخرج العصير صافياً متماثل الأجزاء. بعدها، يوضع العصير على النار حتى يغلي. وهنا، مفترق الطرق، والخيط الفاصل بين صناعة الدبس التجاري، سخيف الكلفة، والدبس الحقيقي، باهظ الثمن.
عشرة كلغ من الرمان يمكن شراؤها بالجملة بعشرة آلاف ليرة، تنتج نحو ستة كلغ من العصير، يمكن أن تتحول إلى دبس سيئ بمجرد إضافة كمية من النشاء بعد أن يغلي العصير. وبذلك تصبح كلفة كلغ من هذا النوع من الدبس نحو ألفي ليرة لبنانية، ويباع بخمسة عشر ألف ليرة.
أما الطبيعي والحقيقي، فله آلية أخرى، تقضي بالاستمرار بغلي العصير حتى يصبح لزجاً بعد تبخر محتوياته من الماء، فيفقد 90% من وزنه. يعني أن العشرة كلغ لا تنتج إلا كلغ واحداً من الدبس، تُضاف إلى ذلك، كلفة الوقود التي يستغرقها تبخير المياه، وفوق ذلك مقدار الجهد والصبر خلال تحريك السائل، وهو يغلي، بغية عدم احتراق أسفل الوعاء أو جوانبه، وتلف محتواه بالتالي. وهو أمر محفوف بالمخاطر. لذلك، إن أي تهاون أو مسايرة في السعر تشي بإمكان أن يكون الدبس «مدفوشاً» بمادة نشوية وبمنكهات اصطناعية رخيصة الثمن أو مصنوعة على عجل.
دبس الرمان واسع الاستخدام وكثير المنافع. يوضع في مختلف أنواع الأطعمة المطبوخة، فيُسهم في فرط المواد الدهنية بسرعة. يضاف إلى السلطة أو الفتوش والتبولة. كذلك يمكن إضافته مباشرة إلى البطاطا والدجاج واللحم المشوي. وله نتائج عظيمة في معالجة المصابين بالشحم والسكري، ويخفف الضغط الدموي (شرط عدم إضافة الملح إليه). والجدير بالذكر أن علامة جودته الوحيدة أنه قابل للحفظ لسنوات عدة.