تسللت، خلال السنوات الأخيرة، الكائنات المعدّلة وراثياً إلى حياتنا، وباتت جزءاً لا يتجزأ من وجباتنا اليومية. ورغم أن الأدلة عن أثرها السلبي على صحة الإنسان لا تزال موضوع جدل في المجالات العلمية، إلا أننا اليوم على يقين تام من وقعها السلبي على البيئة ومن مساهمتها في إفقار الفقراء وإحكام سيطرة الشركات الكبرى على مصادر البذور في العالم. ولدت الكائنات المعدّلة وراثياً في مختبرات جامعات الدول المتقدمة، وخصوصاً أوروبا وأميركا في ثمانينيات القرن الماضي، وتم تبني تقنية إنتاجها من قبل الشركات العملاقة. ترتكز تقنية إنتاج هذه الكائنات على نقل مادة وراثية من كائن إلى كائن من دون اللجوء إلى طرق التكاثر الطبيعية. يمكن، بهذه الطريقة، نقل جين معين يحمل ميزات مرغوباً فيها كالمقاومة للحشرات، بين كائنات لا «تقرب» بعضها بعضاً على المستوى الوراثي كالحشرات والنبات. ورغم عظمة التقنية العلمية التي يعتمد عليها هذا الإنجاز، إلا أنه لا بد من تقويم المنتج العلمي عبر المجهر المجتمعي والبيئي. وفي هذا السياق، يدور اليوم صراع حاد حول استعمال هذه الكائنات. يبرر الفريق الأول استعمالها لأهميتها في تعزيز الأمن الغذائي من خلال زيادة الإنتاج وخفض أسعار الغذاء، مؤكداً أنه لا ضرر صحياً وبيئياً قد ينتج منها. أما الفريق الآخر، فيلفت النظر إلى أن فقدان الأمن الغذائي سببه سوء توزيع الموارد والفقر وسيطرة رأس المال على سبل الإنتاج وعلى الأسواق، وأن استعمال الكائنات المعدلة وراثياً يعزز سيطرة الشركات الاحتكارية، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان صغار المزارعين لأراضيهم. ويؤكد هذا الفريق أن الأبحاث العلمية تشير بوضوح إلى احتمال زيادة الأمراض السرطانية مع استهلاك هذه المنتجات التي قد تكون موجودة في الخبز والذرة والصويا ومشتقاتها كالأعلاف. لهذه الأسباب يطالب البعض بحظرها، والبعض الآخر بوضع إشارة واضحة على السلع التي تحتوي عليها احتراماً لحق المواطنين في اختيار ما يناسبهم. وقد أصبح هذا الخيار ضرورياً في لبنان، حيث نفتقر إلى أدنى معلومة عما نأكله ونشربه، وحيث مصلحة الأغنياء والنافذين والمستفيدين «أبدى» من حرية المواطن.