مَن قطف موسم التفاح في عكار العتيقة «زمط بريشو». ومن لم يفعل؟ فإما أنه «أكل...» بعدما سقطت التفاحات «تحت أمها» وصارت مطمورة بالعشب، أو أنه قسّم رزقه بين معامل العصير واستخراج خل التفاح. هذه الخلاصة من عكار العتيقة يقولها أحمد درويش، قبل البدء بالحديث عن «نكبة التفاح». هذه النكبة التي أصابت من باع ومن لم يبع؛ فالأول استحصل على مردود ضعيف من الغلة، حيث اتفق السماسرة على تسعير الكيلوغرام الواحد بستمئة ليرة، بينما سعر السوق يصل إلى حدود أربعة آلاف ليرة. أما الثاني، فقد صار حاله كحال محمد الختيار. فهذا الأخير الذي يعيش وعائلته من زراعة التفاح وحدها، كان يمنّي النفس بإنتاج وفير يقارب مئة ألف كلغ، إلا أنه لم يقطف إلا 20% من الموسم، بعدما «راح الباقي تحت حبات البرد الثقيلة». وما تمكن من بيعه «بالأسعار الزهيدة، لا يعادل نصف كلفة الإنتاج». جاءه عرض ببيع قفص التفاح (25 كلغ) بأربعة آلاف ليرة، لكنه احتسب كلفة «اللمّ» عن الأرض وكلفة النقل، فلم يجد ربحاً... وخوفاً من الخسارة «ضبينا الجرح»، يقول.
هذا الجرح الذي أصاب المزارعين في السادس من الشهر الماضي. يومها، ضربت عاصفة أمطار شديدة الموسم الزراعي، حيث بلغت حبات «البرد» حجم بيض الدجاج، فأدت إلى تلف المواسم الزراعية في أكثر البلدات العكارية، وخصوصاً موسم التفاح. وقد بلغت قوة تساقط حبات البرد أن فعلت فعلها بثمرة التفاح «فقد فلقتها اثنتين». هذه القسوة في تساقط البرَد والسقوط المبكر على أعتاب تشرين الأول، لم يعرفهما كبار السن في البلدة من قبل، فهما ظاهرتان غريبتان.
كان أيلول «أهون»، يقول المزارعون. فقبل انتهاء الشهر، كان هؤلاء يتهيأون لرفع الصوت ومناشدة المسؤولين العمل على تصريف منتجاتهم الزراعية، ولا سيما موسم التفاح الذي كان مقدراً أن يبلغ مئتين وخمسين ألف صندوق. هذه الصرخة التي كانوا سيطلقونها لاحقاً لتصريف موسم البندورة، بعدما غرس المزارعون مليونين وخمسمئة ألف شتلة بندورة. وقبل أن تبلغ مناشداتهم أسماع المسؤولين، فوجئوا بكارثة «البرَد»، فصار جلّ الطموح يقتصر على تعويضهم الحد الأدنى من كلفة الإنتاج.
ربع مليون صندوق تفاح، هو الرقم الحالي الذي يتداوله المزارعون. وهو الرقم الذي سيقارب المليون في غضون سنتين أو ثلاث. ترافقها ملايين أخرى من البندورة وأغراس العنب وشتول الباذنجان وسائر أنواع الخضار والفواكه. كل هذا في بلدة لا يتجاوز تعداد سكانها عشرين ألف نسمة.
في هذا الوطن القابع على فيالق التوازنات الإقليمية والدولية، لا مكان لدعم التفاح العكاري، ولا صوت يعلو فوق صوت الاستثمار في السياحة والتجارة. هكذا، تظل سياسة الدولة معلقة على استرضاء الأجانب، ويبقى شغل المسؤولين الشاغل تعداد الداخلين والخارجين عبر المطار، وإحصاء حجم الحجوزات في الفنادق. بينما باستطاعة أكثر المناطق حرماناً، وعكار العتيقة أحد نماذجها، أن تشهد حركة إنتاج تفيض عن حاجة أبنائها. فإذا كان بالإمكان بيع موسم التفاح وحده المقدر بمليون صندوق في غضون السنوات الثلاث المقبلة، بنصف سعر المفرق، لحقق وفراً مقداره ثلاثون مليون دولار، أي بمعدل ثمانية آلاف دولار للعائلة الواحدة، باعتبار أن عدد الأسر في عكار يقارب أربعة آلاف. وهذا ما ينطبق على بلدة فنيدق المجاورة لعكار العتيقة التي كان إنتاجها المقدر لهذا العام، لولا العاصفة، يقارب مليوناً ومئتي ألف صندوق تفاح.
لا يكترث أبناء عكار العتيقة للعراضات السياسية، وخصوصاً ما يستظل منها بالدين والمذهب. لذلك، من بين السياسيين، لا يناشد رئيس لجنة المراقبة في تعاونية عكار العتيقة الزراعية محمد الخطيب سوى وزير الزراعة حسين الحاج حسن. فبرأي الخطيب، نواب عكار وزعماؤها مشغولون بدفاعهم المستجد عن السيادة، «وبخلق رهاب استهداف أهل السنّة»، وكأن نكبة العكاريين، بمواسمهم وبلقمة عيش كريمة ليست من السيادة، وكأن كرامة أهل السنّة تختزل بمواجهة أهل طائفة أو مذهب آخر. لهذا، لا شيء سيطلبه العكاريون من ممثليهم، لكنهم سيطلبون من وزارة الزراعة مساندتهم في محنتهم.
هذه الكارثة في موسم التفاح، كانت قد سبقتها كارثة أخرى، راحت في طريقها مئات الآلاف من الأمتار المربعة في أحراج عكار العتيقة، في لحظة اشتعال مفتعلة ربما. وقد وصلت إلى البساتين، فكانت أول جزء من حكاية الأضرار التي لا يجد المزارعون من يعينهم عليها. وبما أنه ما باليد حيلة، فسيتعلمون الانتظار ريثما تلتفت الوزارة المعنية إلى حالهم.