لم تعد حماية المباني القديمة في طرابلس مسؤولية المديرية العامة للآثار وبلدية طرابلس فحسب، بل بات المجتمع المدني الطرابلسي جزءاً من اللعبة. كما في بيروت حيث يستخدم المواطنون الخط الساخن للإبلاغ عن أي عملية هدم، كذلك في طرابلس حيث تطوع شباب المدينة لحماية تاريخ مدينتهم. وانطلق هذا التحرك مع بدء أنشطة «الحملة المدنية لإنقاذ آثار طرابلس» في رمضان الماضي، عندما نفذوا اعتصاماً أمام قصر العجم في محلة باب الرمل، رافضين هدمه وبيع محتوياته بعد تفكيكها. سبقت التحرّك العفوي اعتصامات رمزية ولقاءات تضامنية مع آثار ثاني أكبر مدينة مملوكية في العالم بعد القاهرة، وهي تعدّ متحفاً طبيعياً في الهواء الطلق. وقد استكملت الاستعدادات لإطلاق «شرطة آثار طرابلس»، المؤلفة من شباب متطوعين للحفاظ على أبنية المدينة المعرضة للخطر، ومراقبتها وتوثيقها، بتنسيق كامل مع بلدية طرابلس.
ويشرح رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس د. خالد تدمري أنّ نحو 100 شاب وشابة سيبدأون نشاطهم رسمياً الشهر المقبل، وستكون مهمتهم القيام بجولات دورية في الأحياء والحارات والشوارع لمراقبة الأبنية الأثرية والتراثية وتبليغ الجهات المختصة بشأن أي اعتداء عليها.
ويوضح تدمري أن إطلاق صفة «شرطة» على المتطوعين جرى بصورة أولية وقد يسبّب التباسات حول مهماتهم ونشاطاتهم، فقد يُطلق عليهم عند بدء نشاطهم رسمياً اسم آخر، مثل «حُماة آثار طرابلس» أو أي اسم يناسب تحركهم. وكانت الحملة قد استبقت نشاطها المرتقب بزيارة قائد منطقة الشمال الإقليمية في قوى الأمن الداخلي العميد محمود عنان ورئيس بلدية طرابلس نادر غزال، وأطلعتهما على تحركها لـ«ملاحقة سارقي المعالم الأثرية الذين يهدمون البيوت التراثية من دون رخص مسبقة وبأساليب متحايلة على القانون».
وتجدر الإشارة إلى أنّ طرابلس تعاني منذ عدة شهور من ظاهرة تفكيك المعالم التاريخية من البيوت القديمة لبيعها في سوق الآثار، وهذا ما أدى إلى تفكيك قناطر، ومداخل بيوت وعتبات شبابيك مزخرفة. وإذا كانت المدينة القديمة تتبع للتصنيف، فجوارها يتميز بانتشار البيوت القديمة الكبيرة ذات الأهمية الهندسية والتاريخية التي تقف شاهداً على أكثر من مئة سنة من التاريخ والمهددة بالمشاريع الباطونية التي تقترب شيئاً فشيئاً من وسط طرابلس القديم.