في عام 2005، دشّنت تعاونية «الشرق» في بنت جبيل اسمها الجديد، بإجراء أول تجربة زراعية تمثلت بزراعة الصعتر. يومها، عدّ الأمر مخاطرة، في منطقة لا تتوافر فيها المياه دائماً، وتكاد تكون معدومة في فصل الصيف، إلا أن القرار كان قد اتخذ بزراعة ستة دونمات من الصعتر على «سبيل التجربة ولضمان خسارة أقل في ما لو حدثت»، يقول رئيس مجلس الإدارة المربي حسين إبراهيم.
لكن ما لم يكن في الحسبان، أن تنجح تلك الزراعة «نجاحاً باهراً»، يقول. وهو ما دفع التعاونية إلى توسيع نطاق زراعة الصعتر. فكانت «الشهرة» من هنا، حيث توسعت دائرة المنتسبين إلى التعاونية من عيترون وعين إبل وحانين، إلى رميش وعيناثا وبليدا ومحيبيب في منطقة بنت جبيل.
اليوم، توسع نشاط التعاونية في زراعة الصعتر وفي غيرها؛ ففي الأولى «نسعى حالياً إلى إدخال المكننة على عملية فرط الصعتر للتخفيف من التكلفة وتوفير اليد العاملة، وهذا ما يساعد الزراعة لاحقاً على التوسع أفقياً، أي من حيث المساحات المزروعة». ولتنمية هذه الزراعة وتفعيلها، تسعى التعاونية إلى تجهيز مركز فيه آلة فرط بعدما أوجدت خيمة لتوضيب الصعتر وتجفيفه. أما المرحلة التالية التي تخطط لها الجمعية، فهي توفير مطحنة لتجهيز الصعتر المستخدم في الطعام. العام الماضي «عملنا على شتول البطيخ والبندورة وكل ما يندرج في زراعة الصحراء (كالخيار والمقتي والشمّام وغيره)، فزرعنا كمية محدودة تقدر بـ15 ألف شتلة، لكن هذه العملية لم تنجح تماماً، إلا بعدما تبين أن علينا الاهتمام ببذارها»، يتابع إبراهيم. من هنا، «لدينا سعي إلى تحويل زراعة الصحاري من زراعة أبّهة وفخفخة وادعاء إلى زراعة إنتاجية نقدية». وفي هذا الإطار، يشير إبراهيم إلى أن «سعر 5 غرامات من بذر بندورة مهجنة نحو ثلاثين دولاراً أميركياً، ونحن في التعاونية إذا حولنا هذه البذار الجيدة إلى شتول وبعنا المزارع بسعر التكلفة، ولن يتجاوز سعر الشتلة منها سعر النوعية غير الجيدة في السوق، نكون قد وفرنا عليه وصارت مزروعاته تعطي إنتاجاً جيداً». وبما أن «البذور المهجنة لا يمكن إنتاجها في مشاتل التعاونية، نقوم في مشتلنا بمساعدة المزارع على تنمية دورته الاقتصادية من خلال شتول جيدة نبيعها له بسعر الكلفة».
بعد عدة تجارب قام بها القيّمون على التعاونية، أثبتت البندورة البلحية قدرتها على التأقلم وإعطاء إنتاج جيد للمزارع.
أما نجاح زراعاتها، فيعود إلى «تخصص» الجمعية في دراسة مكامن النجاح والفشل للزراعات، إذ تمكنت الجمعية من خلال مشتلها الخاص من تحقيق أحلام أعضائها في الدراسة والإنتاج، «فإذا نجحت الدراسة نبدأ بالتوجيه نحوها وتوفير الشتول للمزارع، وإذا فشلت يكون المزارع خارج إطار المغامرة والتكلفة، وربما ضياع موسم عام بكامله».
وجهة العمل في المشتل هي وجهة تطوعية، ما يعني أن المزارعين يساعدون في أعمال التجارب والري والاهتمام. مع كل هذه النجاحات، إلا أن تعاونية بنت جبيل تعاني العقبات نفسها التي تعانيها مجمل التعاونيات في لبنان. وبعد التجربة، يرى إبراهيم «أن النظرة العامة للعمل التعاوني ضعيفة جداً، بعدما تميزت الفردية على عمل المجموعة، ويضاف إلى ذلك أن النظرة العامة نحو التعاونيات صارت نظرة سياسية أكثر مما هي أداة تنمية، ما يعني أن التعاونية الحيادية غير المحسوبة على هذا الطرف السياسي أو ذاك تعاني أكثر من غيرها من حصار، أقلها أن التقديمات التي تأتي من عدة جهات لا تصل إلى هذه التعاونيات، أو بالأحرى تمنع عنها». ويعطي مثالاً أن «وزارة الزراعة طلبت العام الماضي من التعاونيات والجهات المعنية التقدم بطلبات للحصول على أشجار حرجية، وحتى اليوم لم نحصل على غرسة واحدة، كذلك لم نحصل من وزارة الزراعة على أية مساعدة أو التفاتة منها نحونا».
فمن التفت «إلينا»، كانت جمعية إسبانية دعمت قيام المشتل الزراعي، بالشراكة مع التعاونية. أما شبكات الريّ، فقد وفّرتها الجمعية الإيطالية «جي في سي»، فيما قدمت وزارة الشؤون الاجتماعية معدات بقيمة عشرة آلاف دولار، و«المشروع الأخضر» مبلغ 2500 دولار «مكننا من إنشاء خزان للمياه بلغت تكلفته نحو أربعة ملايين ونصف مليون ليرة لبنانية».
صحيح أن التقديمات قليلة وضعيفة قياساً بالمهمات المطلوبة والشرائح التي يجب أن تشملها بتغطيتها، لكن «قيمتها بتراكمها، إذ إن هذه المساعدات مجتمعة صارت تكوّن ورشة عمل متكاملة، تحتاج إلى المزيد، لكنها مؤسسة إنتاج فاعلة، لأن كل هذه التقديمات تجري المحافظة عليها ورعايتها».