لم تختف زراعة الجوز أصلاً، لتعود إلى «الساحة الزراعية». لكن، ما يحصل اليوم في البقاع أن أشجار الجوز عززت حضورها أكثر في البساتين وحدائق البيوت وحتى السهول، حيث صارت بعض المساحات «كلها جوز». هذه «الغزوة» الحديثة نسبياً لم تأت من العبث، فالمزارعون الذين تعرضوا لخسارات متلاحقة بسبب مواسم مكلفة لا تأتيهم بثمن المبيدات وتكاليف زراعتها. كل هذه الأسباب دفعت هؤلاء إلى التفكير بالجوز كحلٍ بديل ومربح. فهذه الشجرة، عدا عن إنتاجها المربح، يمكن استعمال أخشابها لصناعة المفروشات والأبواب... والتحطيب أيضاً.
وفي تعريف مقتضب عن زراعة أشجار الحور، يوجز رئيس قسم الاقتصاد الزراعي في الجامعة اللبنانيّة الدكتور سمير مدوّر، بأن «هذه الزراعة متدنيّة الكلفة وتتلاءم مع المناطق الجبلية الوعرة التي ترتفع عن سطح البحر 1500 متر وما فوق، ولا تحتاج إلى الحراثة الدائمة». ويشير مدوّر إلى أن «لبنان أصبح بحاجة ماسة إلى تطوير هذه الزراعة، لأن السوق المحلية تستهلك سنوياً أكثر من 15 ألف طن من الجوز، نستورد منها نسبة 75% من الخارج»، مشدداً على «ضرورة قيام الدولة بواجبها في هذا الإطار، وذلك من خلال استيراد نصوب مؤصّلة وتوزيعها على المزراعين بأسعار مدروسة وتشجيعية، لأن الغرسات الأجنبية المهجّنة يمكنها أن تنتج في السنة السادسة من عمرها، والتي قد يصل محصول الواحدة منها إلى ما بين 50 و100 كلغ». وهو ما يميزها عن الأصناف المحليّة المعروفة التي تحتاج إلى ما بين 10 و15 سنة ليكتمل نموّها وإنتاجها. ويلفت مدوّر إلى «أن التجارب التي أجريت على زراعة الجوز في البقاع الشمالي قد أثبتت جدواها، بعدما تعاونت وزارة الزراعة اللبنانية قبل عشر سنوات مع منظمة الأغذية العالمية (الفاو) على غرس المئات من نصوب الجوز الأجنبيّة في تلك المنطقة».
من جهته، يقول المزارع سيروب سقيان، إن تضاعف تكاليف إنتاج معظم الأشجار المثمرة دفعه الى غرس حوالى 60 غرسة من أشجار الجوز في بستانه الذي تبلغ مساحته حوالى 4 دونمات، ويقع شمال بلدة عنجر. ويضيف الرجل «راودتني هذه الفكرة قبل 8 سنوات، وقررت خوض هذه التجربة التي أعتبرها ناجحة نسبياً، أقله لجهة عدم حاجة هذه الأشجار إلى الكثير من المصاريف التي كنت أنفقها على الأصناف الأخرى، إضافةً الى سهولة جني ثمارها وبيعها بالجملة في أسواق الحسبة، بأسعار تتراوح بين 6 و8 آلاف ليرة للكيلوغرام الواحد». غير أن هناك مشكلة تعانيها هذه الزراعة، وهي أن «نمو هذه الأشجار بطيء، فهي لا تعطي ثماراً إلا بعد بلوغها 10 سنوات وما فوق، لكنها على كل حال أفضل من باقي الأصناف».
وعن الطريقة الأمثل لزراعة أشجار الجوز وقطف ثمارها، يوضح سقيان أن أهم شروط نجاحها هو إبعاد النصوب بعضها عن بعض مسافة تتراوح بين 8 و10 أمتار طولاً وعرضاً، على نحو يسمح للأغصان بالترامي في كل الاتجاهات، ويسهّل عمليّة التهوئة». أما بالنسبة إلى جني المحصول، فيوضح سقيان أن جمع الثمار «يبدأ عادة في منتصف شهر أيلول ويمتد حتى أوائل تشرين الأول، وذلك باستخدام جسم صلب، يفضّل أن يكون عصا خشبيّة طويلة، يضرب فيها على طرفي فروع الأغصان، ولا يجوز قطف الثمار قبل نضجها تماماً وتشقق غلافها الأخضر الخارجي، تجنباً لفساد نواتها عند التجفيف».
في السياق، تشير بعض الدراسات التي أعدّها اختصاصيون زراعيون واقتصاديون لبنانيون، إلى أن تحسين إنتاج الجوز وزيادة المحصول محلياً، وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن استيراده، يتطلب اتبّاع طرق أكثر اقتصاديّة، من خلال استعمال الغرسات ذات الإنتاجيّة العالية والأصناف الأكثر صلابة وتكيفاً من الأحوال المناخيّة. تبقى الإشارة إلى أن لبّ الجوز يؤكل طازجاً، كما أنه يستعمل في العديد من المأكولات، ويدخل في صناعة الحلويات، ويخلط مع المكسّرات والفاكهة المجففة، ويكثر استعماله في لبنان، وخصوصاً في تحضير جميع أنواع المكدوس. إلى ذلك، يجمع خبراء التغذية على أن للجوز فوائد كثيرة، فهو يجدد نشاط الجسم وينشّط الكبد، ويمنع الترهّل والضعف وتساقط الشعر، ويساعد على التئام الجروح، ويقوي الطاقة الجنسيّة. أما أوراقه فتستعمل لعلاج أمراض الجلد والالتهابات الفيروسيّة، ويمكن استخدام محلول قشرته الخضراء غير الناضجة للقضاء على الديدان في المعدة، وبالأخص الدودة الوحيدة، فضلاً عن أن تحميص قشرة الجوز الخشبيّة القاسية وطحنها يساعدان في تبييض الأسنان وتقوية اللثة وإزالة روائح الفم الكريهة.