دخلت ملحمة غلغامش السومرية في المناهج التعليمية في جامعات الغرب ومدارسه؛ لأن قراءة النص تتيح للتلامذة تصوّر التحديات التي تنتظرهم في الحياة؛ إذ بالرغم من أن العالم الحالي يبدو مغايراً لما كان عليه في العصور القديمة، إلا أن جوهر التجربة الانسانية لا يزال هو نفسه. تبدأ القصة في مدينة أوروك السومرية (جنوب العراق) التي كان يحكمها الملك غلغامش، وهو ثلاثة أرباع إله وربع إنسان. وكان الملك يأخذ شباب المدينة عنوةً إلى الخدمة العسكرية، أما النساء فعليهن المثول له في سريره. وللتخلص من جور هذا الملك، رجا أهل المدينة الآلهة الخلاص، فاستجابت هذه الأخيرة وأرسلت إنكيدو، وهو إنسان كان يعيش في البراري مع الحيوانات ويبتعد عن البشر. كان الصيادون قد كادوا له لأنه يطلق سراح الحيوانات التي تقع في أشراك فخاخهم، فلجأوا إلى مومس أمضت معه سبع ليال أفقدته القدرة على التواصل مع الحيوانات. بدأ انكيدو بمعاشرة البشر، وسرعان ما التقى بغلغامش وتعاركا، ولما لم يستطع أحدهما أن يغلب الآخر، أصبحا صديقين كالإخوة. وسافرا معاً نحو غابة الأرز وصارعا حارسها العملاق وقتلاه.
هذا العمل البطولي أثار عشتار، آلهة الجنس والخصوبة، فأرادت غلغامش زوجاً لها، لكنه رفض معتبراً إياها زوجة غير مناسبة. ثارت وأرادت الانتقام، فأرسل والدها كبير الآلهة آنو، الثور الإلهي ليدمر أوروك. لكن غلغامش وإنكيدو اتحدا وقتلا الثور، فحكم مجلس الآلهة بالموت على إنكيدو لأن قتل الثور إهانة للإلهة عشتار... لم يستطع غلغامش، قاهر البشر والبهائم، أن ينقذ صديقه، فبكاه ورثاه أياماً طويلة، ثم فهم حتمية الموت فذهب يبحث عن اوتنابيشتيم، الرجل الذي نجا من الطوفان والذي حصل من الآلهة على الحياة الأبدية. فسمع منه أخبار الطوفان الكبير، وهي مماثلة لما وصفته التوراة مع النبي نوح والطوفان. كذلك أخبره العجوز اوتنابيشتيم عن نبتة الأبدية التي وجدها غلغامش في قعر البحيرة، وحينما وضعها على الشاطئ ليستريح قبل أن يأكلها، التهمها ثعبان ماكر... حينها عاد غلغامش إلى أوروك ووقف أمام أسوارها المنيعة مدركاً أنها ستتحول في يوم من الأيام إلى غبار.
ويستخدم المعلمون في المدارس مختلف نقاط الملحمة ليشرحوا للطلاب واقع الحياة، فالمومس مثلاً أيقظت في إنكيدو رغبته بالانتماء إلى المجموعة والارتباط بصديق. وكان إنكيدو يشجع صديقه على المثابرة، ويساعده على الانتصار. أما مشهد إغواء عشتار لغلغامش، وهو دائماً المفضل لدى الطلاب، فيبرز مبدأ أن الرغبة الجنسية عابرة، وعلى الإنسان الانتباه من الشهوات، فتذكر غلغامش أن الآلهة تبحث عن رجل لترضي شهواتها، لا عن الحب والاستقرار، لذا رفضها. أما دفاع الصديقين عن المدينة في وجه غضب عشتار المتمثل بالثور الإلهي، وانتصار إنكيدو على الثور وتقطيعه ورمي القطع في وجه الالهة المهزومة. ثم بالرغم من انتصاره، تحكّم الغضب به، ودفع حياته ثمناً لذلك، فأمثولته أن على المنتصر أن يكون كريماً ورؤوفاً، مدركاً أنه في يوم ما قد يكون هو المهزوم.
أما بحث غلغامش عن الحياة الأبدية، فهو تعبير عن خوفه من الموت الذي ولّده موت صديقه. والرسالة أن الحزن، مثل الغضب، يمكنه أن يستهلك الحياة بكاملها إذا سمح له بذلك. ويبقى الدرس الأهم أن لا مفر من الموت، فبحث غلغامش كان مضيعة للوقت، فيما القبول بفكرة التقدم بالسن والموت أمر حكيم.