استدعي «الشاهد» المقنّع K41 يوم 6 أيلول 2002 فقدم افادته عبر الفيديو من مدينة بانيالوكا البوسنية. وادعى أنه لا يستطيع النوم منذ مشاركته بقتل 15 مدنياً خلال الحرب، وادعى انه يشهد ضدّ ميلوسيفيتش بسبب ذلك. وعندما سأله ميلوسيفيتش عن سبب عدم حضوره الى مقر المحكمة في لاهاي، وما اذا كانت لديه مشاكل في اوراق السفر انقطع الاتصال. وقبل عودة الاتصال ناشد المدعي العام القاضي «حماية الشاهد» عبر حذف هذا السؤال فوافق القاضي ماي.
ميلوسيفيتش: «سئلت في البداية عن سبب عدم امتلاكك اوراقاً ثبوتية للسفر... (انقطع الاتصال)
القاضي ماي: يمكنك السؤال عن امور اخرى.
ميلوسيفيتش: أنا ادقق في صحة أقوال الشاهد. وبدا لي بوضوح أنه مجرم.
المدعي العام: نطلب حذف كل هذه المعلومات عن الشاهد لأنها قد تساعد في التعريف عنه. كلّ هذا الجانب يجب حذفه من المحضر».
وكان ميلوسيفيتش قد أثبت للمحكمة بأن هذا «الشاهد» المقنّع مطلوب في صربيا بسبب ارتكابه جريمة سرقة وهو فار من العدالة، لذا لا يمكنه السفر لأن ذلك قد يعرضه للاعتقال من قبل السلطات الصربية.
وفي مطلع عام 2003 استدعي الى المحكمة في لاهاي النقيب دراغان فاسيلكوفيتش الذي كان الضابط المسؤول عن الوحدات العسكرية الصربية التي اقتحمت منطقة كرايينا الكرواتية حيث ارتُكبت جرائم ابادة. وكان هدف الادعاء الحصول على اعتراف بأنه ارتكب هذه الجرائم بأمر من الرئيس ميلوسيفيتش.
روى فاسيلكوفيتش بعد ادلائه بافادته أمام المحكمة الدولية في لاهاي: «اتصلوا بي من مكتب المدعي العام يوم اعتقال ميلوسيفيتش وسألوني اذا كنت مستعداً للمساعدة في سوق بعض مجرمي الحرب الى المحكمة». وبعد تبرير المساعدة التي قدمها الى الادعاء قال: «عليّ ان اعترف بأنني كنت قد خططت لاغتيال ميلوسيفيتش (...)». وأضاف: «كنت جالساً مقابل رجل أردت مشاهدته ميتاً...». وعن علاقته بالادعاء قال: «اعطوني ورقة كتب عليها ان كلّ ما أقوله لا يمكن أن يستخدم ضدّي، لكن قلت لنفسي ماذا لو كنت جزّاراً وقلت أنا مجرم حرب وقتلت العديد ولا ادلة على ذلك لأنني أخفيتها ودفنتها بناءً على أوامره (أوامر ميلوسيفيتش) عندها لا يمكنهم استخدام ذلك ضدّي ولكن سيستخدمون افادتي دليلاً ضدّ ميلوسيفيتش».
وكان ميلوسيفيتش قد أعلن أمام المحكمة أنه «اذا اتهمني أي شخص بأي جريمة فلا يمكن أن يُتهم بارتكابها». فاقتصر جواب القاضي ماي على قوله «نعم هذه قضية ذات شأن». وتابعت المحكمة الدولية عملها كالمعتاد. أما دراغان فاسيلكوفيتش فاعترف أمام المحكمة الدولية بأنه كان للصرب في كرايينا جهاز استخبارات وشرطة وجيش خاص بهم. علّق ميلوسيفيتش أمام المحكمة على ذلك مشدداً على أن هذا لا يعني الاستخبارات الصربية المركزية (التي كانت تخضع مباشرة لأوامره)، فأجاب فاسلكوفيتش: «هذا صحيح». لكنه أضاف، خلال مقابلة صحافية أجراها لاحقاً، بأنه يتّهم ميلوسيفيتش بالتقصير تجاه كرايينا: «لم يقم بما كان يفترض أن يقوم به لمساعدة الصرب في كرايينا، لذلك أتمنى أن يُشنق هذا الرجل لكن ليس بسبب ما تتهمه المحكمة بارتكابه». ثم ختم هذا «الشاهد» الذي كان قد استدعاه مكتب المدعي العام لتجريم ميلوسيفيتش معلناً أنه «بريء من الجرائم التي يتهمونه بارتكابها». وادعى فاسيلكوفيتش أن المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة قرّرت حرمانه «المكافأة»، وأعلن أنه «لدى اكتشاف الادعاء بأنني كنت أتحدث عن قوات كرايينا وليس عن الاستخبارات الصربية رفضوا تغطية تكاليف سفري واقامتي في لاهاي خلال عامين... فاذا لم تكن مستعداً أن تكذب لصالحهم (لصالح الادعاء) لن يغطوا التكاليف... ولكن اذا قلت انك مستعد أن تكذب مقابل خمسة ملايين دولار مثلاً فسيدفعون!».
نفت المحكمة الدولية ذلك وأكد المتحدث باسمها كرستيان شارتييه يوم 26 شباط 2003 أن فاسيلكوفيتش تقاضى 2441 دولاراً أميركياً لتغطية نفقات سفره واقامته في لاهاي. ردّ فاسيلكوفيتش بالقول: «أنا أتهمهم بأنهم يقدمون الحماية لمجرمي حرب، وأنا مستعد أن اثبت ذلك أمام أي محكمة في العالم. كيف؟ انهم يأتون بمجرمي حرب ويمنحونهم صفة شهود ويقدمون لهم الحماية. حينها يمكن لهؤلاء أن يعترفوا بأنهم قتلوا عائلات بأكملها وسيبقون محميين».
سافر فاسيلكوفيتش الى استراليا مع عائلته، وفي 2007 سجنته السلطات الاسترالية استناداً الى مذكرة توقيف دولية صادرة عن محكمة كرواتية. طعن محامو فاسيلكوفيتش بالمذكرة أمام المحكمة التي قررت اخلاء سبيله مؤقتاً. وعندما استدعته المحكمة الاسترالية مرة ثانية للنظر بقضيته، لم تجده. وهو يُعدّ اليوم فاراً من وجه العدالة.
أما «الشاهد» المقنّع K2 العضو السابق في الوحدة الخاصة للشرطة فاستدعي الى المحكمة في لاهاي يوم 9 كانون الثاني 2003. سأله ميلوسيفيتش:

■ «في الصفحة الثانية من افادتك المكتوبة تسأل عن الاجراءات المتخذة لضمان الحفاظ على سرية هويتك لأنك تدّعي بأن حياتك بخطر. اليس كذلك؟
K2 : نعم.
(...)
■ ميلوسيفيتش: هل تعتقد أن سبب الخطر على حياتك هو افادتك الى المحققين أو علاقتك باغتيال أركان (مسؤول لمجموعات قتالية صربية اغتيل عام 2000)؟
K2: للسببين معاً.
المدعي العام: ان هذا قد يعرّف عن الشاهد علناً وبالتالي علينا ان نكون حذرين جداً.
القاضي ماي: نعم. نعم سيد ميلوسيفيتش.
ميلوسيفيتش: لم أسمع الجواب.
K2: نعم.

■ ميلوسيفيتش: اذاً السبب هو ضلوعك في اغتيال أركان؟
K2: نعم.

■ ميلوسيفيتش: ولهذا السبب أنت لا تعيش في صربيا وتبقي هويتك سرّية؟
K2: نعم».
اعترف الشاهد K2 بضلوعه في جريمة اغتيال اركان، وبالتالي طلبت المحكمة الجنائية في بلغراد من المحكمة الدولية أن تسلمها اياه لتستجوبه. وجاء جواب الحكمة الدولية في 3 آذار 2003 بأن K2 هو شاهد محميّ مدى الحياة، ولذا لا يمكن أن تستجوبه أي محكمة أخرى.



الرسالة الأخيرة قبل الموت في السجن

«ميلوسيفيتش لم يمت في لاهاي. ميلوسيفيتش قُتل في لاهاي» بحسب رئيس الوزراء الصربي ايفيكا داتشيتش. الرئيس اليوغوسلافي السابق مات صباح 11 آذار 2006 في سجن سخفنينغن، حيث كان سجيناً في الجناح الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة. وقد وصل عدد «الشهود» الذين سعى الادعاء العام الى الاستناد الى افاداتهم لادانة ميلوسيفيتش الى اكثر من 100 حتى وفاته، لكن اياً منهم لم يتمكن من اثبات أنه أمر قواته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الانسانية (راجع مقال نيل كلارك في عدد 21 آذار 2006 في الغارديان). وكانت المحكمة رفضت طلباً تقدم به ميلوسيفيتش، قبل أيام من وفاته، للحصول على علاج طبي متخصص في عيادة خاصة بأمراض القلب في روسيا. وأكدت تقارير أطباء اسبان وروس وصرب ان موته جاء نتيجة حرمانه العلاج الطبي المناسب. وفي رسالة وجّهها الى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل وفاته بأيام قليلة، عزا ميلوسيفيتش سبب رفض المحكمة علاجه بواسطة أطباء روس الى خشيتها من انكشاف «الخطوات المتخذة لتدمير صحتي». وأرفق بالرسالة تقريراً مخبرياً يشير الى ان اطباء المحكمة كانوا يزودون ميلوسيفيتش أدوية لعلاجه من الـ «توبركولوز» بينما لم يكن مصاباً به.