إعداد: محرر الشؤون القضائيةقاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين (المعروفة باسم المحكمة الخاصة بلبنان) دنيال فرانسين حدّد أخيراً يوم 25 آذار 2013 موعداً أولياً لانطلاق جلسات المحاكمة الغيابية لأربعة رجال منتسبين الى حزب الله، اتهمهم المدعي العام السابق دنيال بلمار بالضلوع في الجريمة. وإضافة الى داتا الاتصالات التي كان الرئيس الاول للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس قد بدأ بجمعها، يستند اتهام الرجال الأربعة الى افادات شهود يخضعون حالياً لبرنامج حماية يخفي هويتهم الحقيقية ويمنحهم حوافز ومغريات. في النصّ الآتي نعرض نموذجاً عن استجواب شاهد من شهود البرنامج الخاص بحمايتهم في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.
في 15 أيار 2002 استدعى الادعاء العام شاهداً مقنّعاً عُدّ من الشهود المقربين من القيادة الصربية ومن ميلوسيفيتش. وبالتالي، خضع هذا الشاهد لبرنامج حماية الشهود. واكتشف لاحقاً بأن الشاهد هو السياسي الصربي راديمير تانيتش.
راهن فريق الادعاء على أنه سيتمكن، من خلال افادات تانيتش، اثبات تورّط ميلوسيفيتش في جرائم التطهير العرقي التي ارتكبت في كوسوفو. قال تانيتش للمحكمة إن ميلوسيفيتش حدّثه بشأن التطهير العرقي في كوسوفو مكرّراً ما ورد في نصّ قرار الاتهام الدولي. سأله المدعي العام: «هل يمكنك أن تقول لنا ما قاله ميلوسيفيتش بالتحديد عن ابادة الالبان في كوسوفو؟»، فأجاب: «قال لننته بالتطهير العرقي للالبان أو فلنرمهم خارج الاراضي اليوغوسلافية. وسمعت ذلك أيضاً عن لسان آخرين». تدخل ميلوسيفيتش معترضاً: «ماذا يعني هذا الكلام الفارغ وهو لا يعرف من هم الذين قالوا ذلك؟». وبدل أن يقبل القاضي البريطاني ريتشارد ماي الاعتراض ويطلب من الشاهد تحديد الاشخاص أمام المحكمة، طلب من ميلوسيفيتش تأجيل النظر في هذا الامر، وأمر الشاهد المقنّع بمتابعة افادته «بالطريقة نفسها».
ولدى منحه حقّ الكلام سأل الرئيس اليوغوسلافي السابق «الشاهد» المقنع:

■ «بحسب أقوالك أنا قلت ذلك خلال حفل استقبال عام 1997. قل لي اين كنا واقفين يومها؟ في هذا الحفل أين كنا واقفين؟ أم أننا كنا جالسين؟ كما تشاء، قدم لنا وصفاً.
«الشاهد» تانيتش: المكان هو عبارة عن فيلا في شارع دورا داكوفيكا. وفي الواجهة يقع المدخل الذي يطلّ على حديقة كبيرة وتقع غرفة منفصلة الى اليسار حيث كان ميلوسيفيتش يتناول العشاء بعد انتهاء حفل الاستقبال بحضور اعضاء مقربين من فريق عمله. ولم أكن من بينهم، ولكننا كنا واقفين في مكان بين المدخل وغرفة العشاء التي غطي بابها بستارة كبيرة.

■ ميلوسيفيتش: أنت تدّعي بأنني كنت رئيس صربيا وكنت تدخل الى مكتبي، وقلت في الصفحة الثالثة من افادتك ان مكتبي يقع الى يسار المدخل. هل تعلم ان مكتبي لا يقع الى يسار المدخل؟ فالى يسار المدخل يقع مكتب الحرس والى جانبه المطبخ وقاعة استقبال. مكتبي لا يقع هناك. يقع مكتب الرئيس في الطابق الثاني في آخر الممرّ في الغرفة ما قبل الاخيرة. أنت لم تزر مكتبي أبداً اليس كذلك؟
تانيتش: لا أنا زرته مرتين على الاقل.

■ ميلوسيفيتش: لكنك قلت ان مكتبي يقع الى يسار المدخل والآن أنت تغيّر افادتك. كيف تمكنت من اقناعهم بافادتك...
تانيتش: هذه اهانة قاسية بحقي. لن أقبل بأن يقال لي ذلك. هذه المحكمة ليست حضانة للأطفال حيث يمكنني قول أشياء بدون معنى.

■ ميلوسيفيتش: انت...
القاضي ماي: أوقف النقاش الشخصي. اذا أردت يا سيد ميلوسيفيتش بأن نتابع يجب أن تتوقف وهذا انذار رسمي. اذا استمررت بالطريقة نفسها سأنهي استجوابك للشاهد.
ميلوسيفيتش: لكن...
القاضي ماي: لا تناقش!»
سأل ميلوسيفيتش «الشاهد» المقنّع لاحقاً، خلال الجلسة نفسها، عن ادعائه في افادته الخطية بأنه قاد مفاوضات مع الألبان في كوسوفو نيابة عن الحكومة الصربية:

■ «اذا قالوا لك إن المخابرات كانت ضدّ المفاوضات كيف يمكن أن تأذن لك المخابرات باجراء تلك المفاوضات؟
تانيتش: هذا خطأ مطبعي (في محضر الافادة) هذه الافادة بالانكليزية وهذه الجملة لا معنى لها. وما يتعلق بـ... اه... اه...

■ ميلوسيفيتش: أخطاء مطبعية... أنا أسألك عن أخطاء مطبعية؟
القاضي ماي: هذا ما قاله.
ميلوسيفيتش: قلت الآن إنك لم تقد تلك المفاوضات. وأنت يا سيد ماي قلت أيضاً إنه لم يقل ذلك أبداً. لذلك أطلب...
القاضي ماي: في نصّ افادته لم يقل ذلك.
ميلوسيفيتش: حسناً، القوا نظرة الى السطر الاول من الفقرة التالية في الصفحة نفسها (من محضر افادة الشاهد) يقول فيها إنه كان يتولى المفاوضات السرّية.
القاضي ماي: هذا صحيح.

■ ميلوسيفيتش: ألم يقل ذلك؟
القاضي ماي: دع... دع الشاهد يجيب.
تانيتش: اه... أولاً هذا نصّ مسودة. هذا مختلف عن الافادة التي أدليت بها تحت القسم. لقد حاولت ان أشرح ظروف القضية
للمحققين...

■ ميلوسيفيتش: قلت إنك توليت هذه المفاوضات السرّية. هذه هي افادتك أنا لا أخرج الامور عن سياقها، اليس كذلك؟
القاضي ماي: لقد قدم الشاهد شرحه لذلك فلا جدوى من اعادة السؤال.
ميلوسيفيتش: حسناً. لا جدوى من طرح الاسئلة عندما يقدم الشاهد اجابات متناقضة.
القاضي ماي: هل يمكننا تخطي ذلك لنتابع؟

■ ميلوسيفيتش: حسناً. بأي صفة أُذن لك بالتفاوض؟ كعضو قيادي أو كمبعوث خاص أو كمسؤول في حزب «نوفا ديموكراتيا»؟
تانيتش: اذن اليّ بصفتي مستشار الامين العام لـ «نوفا ديموكراتيا» وعضواً في اللجنة التنفيذية وعضواً في مجلس الحزب.

■ ميلوسيفيتش: حسناً. هل تمانع بأن أعرض هذا المستند على المحكمة؟ وهو عبارة عن طلب انتسابك الى «نوفا ديموكراتيا» ومصدره الحزب نفسه. وفي اعلى المستند جزء خاص بتصنيف العضوية تندرج تحتها ثلاثة احتمالات: الف: مؤسس، باء: عضو، جيم: متعاطف. ووضعت اشارة على الحرف جيم. اذاً انت لست سوى متعاطف لا أكثر. هذا الشاهد اللامع. سأتابع الاستجواب...
القاضي ماي: لحظة سيد ميلوسيفيتش! هذا التعليق لم يكن ضرورياً!
تانيتش: أنا لم اعط انطباعاً خاطئاً عن هويتي. هذه اهانة بحقي.
ميلوسيفيتش: حسناً أسأل القضاة اذا كان على الشاهد الاجابة عن أسئلة بشأن التدريبات التي خضع لها.
القاضي ماي: هو ليس مرغماً الاجابة عن ذلك فهذه قضية تمسّ صدقيته».



تشومسكي: ميلوسيفيتش اتُّهم زوراً

الأكاديمي الأميركي البروفسور نوام تشومسكي أشار خلال مقابلة مع الصحافي الصربي دانيلو مانديتش عام 2006، الى أن القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة بحق الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش، أي اتهامه بارتكاب جرائم ابادة وجرائم ضدّ الانسانية، لا يرتكز الى وقائع. فالتقرير الذي وضعه خبراء هولنديون بعيد وقوع مجزرة سريبرينيتشا نفى مسؤولية الرئيس اليوغوسلافي عما حصل. وشرح تشومسكي أن المحكمة الدولية أرادت ملاحقة ميلوسيفيتش في قضية الجرائم التي وقعت في اقليم كوسوفو، غير أن المدعي العام عدّل القرار الاتهامي بعدما تبين ضعف قيمة الادلة وعدم صدقية بعض الشهود. وتقرّر اتهام ميلوسيفيتش بجرائم وقعت في البوسنة والهرسك وفي كرواتيا اثناء الحرب. لكن، حتى في هذه القضايا، عجز الادعاء عن اثبات مسؤولية الرئيس اليوغوسلافي. توفي الرجل الذي قرر مواجهة ادعاءات الشهود بنفسه، في ظروف غامضة في 11 آذار 2006 وهو في عهدة المحكمة الدولية. وبموجب قرينة البراءة، فإن ميلوسيفيتش بريء حيث ان المحكمة الدولية، أو أي محكمة أخرى، لم تصدر ادانة بحقه لا بارتكاب جرائم في كوسوفو ولا في البوسنة أو في كرواتيا.