عندما «راحت» زراعة التبغ أيام الحرب الأهلية اللبنانية، بعد كساد المواسم لعدة سنوات، اتجه أهالي بلدة بريقع للتفكير بزراعاتٍ بديلة في الخيم البلاستيكية، حتى غدت حقول البلدة اليوم كأنها سهل من البلاستيك يحتوي على أكثر من 500 خيمة. عند أطراف هذه الخيم، بدأت زراعة اليقطين تنمو ككرة الثلج، حتى صارت البلدة تنتج مئات الأطنان وتصدرها إلى الأسواق اللبنانية، وخصوصاً إلى محال صنع الحلويات في مدينة صيدا التي ازدهرت فيها صناعة حلوى «الجزرية» من اليقطين.
لكن، مع كل الازدهار الذي شهدته الزراعة في بريقع، لا يوجد إلا ثلاثون مزارعاً ما زالوا يداومون على هذه الزراعة التي «يبلغ عمرها في حقلي 21 عاماً، من عمر ابني»، يقول المزارع قاسم قاسم. ويلفت إلى أن تراجع هذه الزراعة بعض الشيء في البلدة «يأتي اليوم بسبب غلاء البذور والأسمدة والأدوية التي صارت تنهك المزارع وتضعه تحت كاهل الديون».
ينتقل قاسم للحديث عن زراعة اليقطين، فيقول: «نزرع نبات اليقطين الصغير، بعد تنمية البذور في أكواب صغيرة، على جانبي الخيمة البلاستيكية من الداخل، وعندما يبدأ الجبّ بالانتشار والتمدد نخرجه من الخيم؛ لأن الحرارة الشديدة فيها تؤذيه ولا تساعده على النمو». في الخارج، يحتاج اليقطين إلى رعاية وعناية نحو خمسة أشهر قبل القطاف، فهو يحتاج إلى ريّ دائم لكي ينمو ويكبر ويعطي ثمراً ناجحاً، كما يؤكد قاسم.
اشتهر المزارعون في بريقع بزراعة الصنفين الأبيض والأحمر من اليقطين: «الأول، لأنه ينمو بسرعة ويعطي رأساً كبيراً قد يصل وزنه إلى أكثر من ستين كيلوغراماً، والثاني لأنه يتمتع بنكهة طيبة جداً تتميز عن الصنف الأبيض، وتساعد رؤوسه التي تراوح أوزانها بين 7 كيلوغرامات وعشرة، ربات البيوت على استخدامه في الطعام على نحو طبق الكسكس أو في كبة اليقطين أو في المربيات»، يتابع. لكن، مع لذة طعم الأحمر، يحظى الأبيض بالمرتبة الأولى، لأنه يعدّ الصنف الأفضل للتجارة الرابحة بسبب أوزانه الكبيرة.
ولا يختلف اليقطين عن أيٍّ من الزراعات الأخرى بالنسبة إلى الأمراض التي قد يتعرض لها، إذ يشير قاسم إلى أن مزارعي بريقع كانوا يسارعون إلى بيع مواسمهم، ولو بأسعار متدنية، حتى لا تتعرض الثمار المخزّنة لأمراض فطرية، وخصوصاً مرض «النيماتود» الذي يقضي على الرأس بسرعة مهما كان حجمه. بسبب الخوف من هذا المرض، يبيع معظم المزارعين مواسمهم في مثل هذا الشهر، مع العلم أن سعر الكيلوغرام الواحد يراوح خلال هذا الموسم بين 500 و600 ليرة لبنانية، بينما قد يصل إلى أكثر من ألف ليرة إذا ما خزّن إلى مطلع الشتاء، «وفي ذلك مغامرة كبيرة».
تجمع الشقيقتان فاطمة وزينة سعد ثمار اليقطين من مزارعي البلدة، ممن لا تتجاوز محاصيلهم المئات القليلة من الكيلوغرامات، وعندما يصل المجموع إلى أكثر من طنين اثنين، أو أحياناً إلى أربعة أطنان «ننقل هذه الكمية إلى صيدا ونبيعها بالجملة لمتاجر صنع حلوى الجزرية في المدينة». لكنْ، ثمة سرّ يؤثر على تكاثر رؤوس اليقطين أو تراجعها يتجسد في أن زهر هذه الزراعة المصنّفة من الخضار تتوزع بين أزهار ذكرية وأنثوية. والمعروف أن الأزهار الذكرية فقط هي التي تحمل اللقاح الذي ينقله النحل إلى الأزهار الأنثوية حتى تتحول الأزهار المؤنثة الملقحة إلى يقطينات. تتفتح الزهرة الأنثوية للتلقيح فقط ليوم واحد، فضلاً عن أن معظم زهرات اليقطين ذكرية، ولذلك فإن أزهاراً قليلة هي التي تنتج يقطيناً.
بالرغم من تراجع عدد مزارعي اليقطين في بريقع، إلا أن هذه الثمرة تأتي في الأولوية عند من بقي منهم. ويؤكد أبناء البلدة أن معظم الأهالي يزرعون اليقطين في الحقول القريبة من المنازل «على الأقل للاستخدام البيتي، وللحفاظ على النوع البلدي منها»، بحسب زينة سعد.
واليقطين من الثمار الغنية بفيتامين «أ» وفيتامين «ب»، ما يساعد في التقليل من الإصابة بالأورام السرطانية ويحافظ على النظر ونضارة الجلد وصحته وعلى نمو العظام والأسنان. كذلك فإنه مطهّر للصدر ويفيد في معالجة التهابات المجاري البولية والبواسير والإمساك والأسر البولي والوهن وعسر الهضم والتهابات الأمعاء. ويفيد المصابين بالأمراض القلبية والأرق ومرضى السكري. وهو يحتوي على أحماض «اللوسين» و«التيروزين» و«البيوريزين»، إضافة إلى احتوائه على كميات كبيرة من الماء.