نشرت مجلة «فوتوريبل» (Futuribles) في عددها الصادر أوائل الجاري مقالاً للمحلل سيباستيان أبيس حمل عنوان «جيوسياسة القمح في المتوسط». يتناول الكاتب في مقالته أهمية القمح الغذائية والسياسية والاقتصادية في البلدان العربية، التي انطلقت منها هذه الزراعة قبل 2800 عام، وباتت تصدره، وأصبحت اليوم من أكبر مستوردي القمح في العالم.
فاليوم، تشتري المجموعة العربية ثلث الكمية المتداول بها عالمياً، على الرغم من انها لا تضم إلا 6% من سكان الكوكب، حيث تعدّ مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، بعدما كانت في التاريخ القديم أول منتج ومصدّر، كما تحتاج إلى 8% من الإنتاج العالمي، وإذ كانت بلادنا العربية تنتج 8.3% من الإنتاج العالمي إلا أن حصتها من الاستهلاك العالمي ترتفع إلى 13.8%، الأمر الذي يجعل منها رهينة سهلة لأسواق التصدير العالمية، التي تسيطر عليها ثلاث مجموعات: المجموعة الاقتصادية الأوروبية وبلدان البحر الأسود وبلدان أميركا الشمالية، وتضاف اليها أستراليا والأرجنتين. ويشير الكاتب الى الدور المركزي الذي يؤديه القمح ومشتقاته في الغذاء العربي، ويذكرنا بأن كلمة «عيش» تعني الحياة والخبز في آن واحد. أما عن الأبعاد الجيوسياسية، فلا بد من الالتفات الى رمزية واقع ايران، التي لا تزال تستورد القمح من الولايات المتحدة عبر الشركات العابرة للقوميات مثل كارغيل، رغم الحصار الاقتصادي الذي تفرضه أميركا عليها. وينهي الكاتب مقاله بتذكير القارئ بالدور المهم الذي أدته أسعار الغذاء في تأجيج الاحتجاجات العربية، وفي دعوة الاتحاد الأوروبي إلى التعامل مع واقع العجز الغذائي العربي من بوابة سياسة الجوار الأورومتوسطية. يذكر أن المقال يضيء على أمور في غاية الأهمية، إذ باستطاعة البلدان العربية كونها اكبر مستورد أن تفرض نفسها بقوة أكبر على الأسواق، وأن تفرض أسعاراً مخفوضة، إن استطاعت أن تتفق معاً على مقاربة موحدة. وهذا طبعاً ما نسعى اليه، ولا يزال يتوارى خلف السراب...