العاصفة التي تهب اليوم على وزارة الثقافة هي نتيجة خطأين ارتكبهما الوزير غابي ليون. الاول سياسي بالكامل والثاني ثقافي بامتياز. الخطأ السياسي جاء من معرفة الوزير ليون تماماً بمدى صعوبة ثلاثة ملفات خلفها له الوزير سليم وردة حينما غادر الوزارة: اولها بيوت بيروت التاريخية، وثانيها ميدان سباق الخيل الروماني، وثالثها الموقع الاثري في عقار فينوس. أدرك وردة تماماً ما فعل حينما صنف جزءاً كبيراً من بيوت بيروت والموقعين الاثريين على لائحة الجرد العام. وراح يترقب تحرك خلفه، وهو خصمه السياسي. ولسبب ما، قرر الوزير ليون ان يغوص في هذه الملفات، وهو عارف مسبقاً بقوة خصمه في الشارع وفي المجتمع المدني الذي اسسه خلال وجوده في الوزارة، فبدأت المعارك التي لم تعرفها وزارة الثقافة من قبل. تكتل وزراء سابقين، حملات اعلامية، مناورات سياسية في مؤتمرات صحافية تأخذ من الآثار عنواناً لتراشق التهم. وبعد مجادلات ميدان سباق الخيل الروماني، قرر الوزير ليون ان يبت مسألة «المرفأ الفينيفي». فأتى قرار اللجنة بأن المرفأ هو في الواقع مقلع حجارة. هنا اتى الخطأ الثقافي لوزير الثقافة: فبدل ان يعتبر ان منصبه يهدف فقط لحماية تراث العاصمة وآثارها، وبالتالي يحافظ على المقلع، ذهب الى عكس ذلك واعتبر ان المعلم غير مهم، فرفعه من الجرد العام واعطى صاحب العقار الضوء الاخضر لهدمه. إنها ليست المرة الاولى التي تسمح بها وزارة الثقافة بهدم الآثار، او تفكيكها! معظم الوزراء السابقين (كتمام سلام وسليم وردة) ذيلوا طلبات مماثلة بتواقيعهم.
لكن ليون، الواقف في حقل رماية سياسية، كان بإمكانه ان يخرج منتصراً للآثار اولاً ولنفسه ثانياً. كان يمكنه ان يغير سبب الادخال في الجرد العام من مرفأ الى مقلع، وان يفرض على مالك العقار ان يفكك الصخر ويعيد تركيبه في حديقة المبنى ليصبح متحفاً آخر يزار في بيروت. وتجدر الإشارة الى ان شركة فينوس كانت قد تقدمت من وزارة الثقافة بدراسة حول كيفية تفكيك الصخر المنحوت ونقله، واكدت انها تأخذ على عاتقها تكلفة هذا الانجاز. كان يمكن ليون الا يقع في الفخ السياسي الذي وقع فيه فأودى بموقع اثري.
المرفأ ليس مرفأ إنما مقلع... ولم لا يُحافَظ على المقالع؟ أليست مهمة بما يكفي؟ صخور منحوتة بطول 32 متراً وبعرض 4 امتار ليست كافية لتحويلها الى موقع سياحي؟ في اوروبا مقالع الصخر مواقع سياحية. في بروكسل، تمت المحافظة في مرائب السيارات على حمامات من العصور الوسطى كشاهد على التاريخ. في ايرلندا يتمركز موقع سياحي حول شجرة وقّع في ظلها اتفاق سياسي. لكن في بيروت تُحول المواقع الاثرية الى كسارة حجارة لتثبيت موقف سياسي.