توجه أمس العشرات من عناصر القوى الأمنية والدفاع المدني إلى مدخل وزارة الثقافة في فردان لـ«حمايتها» من محبّي التراث الذين أتوا للاعتصام استنكاراً لتدمير الموقع الأثري في عقار تابع لشركة فينوس في ميناء الحصن. أعدّت القوى الأمنية العدّة: خراطيم المياه، الإسعاف، والحواجز الحديدية، كما لو أنّ القادمين مشاغبون، أو يريدون أن يحرقوا الدواليب! رغم أن عدد المعتصمين لم يزد على 50 شخصاً، حمل القسم الأكبر منهم صوراً للموقع قبل التكسير والتدمير، وبعده. وأكد المعتصمون أن التحرك هو لانتهاك «وزارة الثقافة حقوق المواطنين والوطن وإعطاء العذر لصاحب العقار لتدمير آثار هي ملك للشعب اللبناني».
وللمرة الأولى، اختلفت منطلقات المعتصمين، إذ أعلنوا أن رفضهم لما حصل في فينوس ليس على خلفية أنّه مرفأ فينيقي (كما كان عنوان كل حملاتهم السابقة) بل من مبدأ أنّه موقع أثري، ولا يحق لأحد أن يخرّب ممتلكات الشعب اللبناني. ونفوا أن يكون تجمعهم سياسياً، ولما سئلوا عن سبب عدم تحركهم خلال السنوات السابقة عندما أخذ الوزراء على عاتقهم القبول بهدم مواقع أثرية من مبدأ أنها ليست مهمة، أتت أجوبتهم سريعة: «هل تحاسبوننا لأننا بدأنا اليوم وليس البارحة؟».
وبدا لافتاً عمل رجا نجيم، عضو التجمع، على عدم تحوير أهداف الاعتصام، حينما طالب المعتصمون باستقالة الدكتور أسعد سيف لكونه مسؤولاً عن الموضوع، إذ أشار نجيم الى أنّ الأمر ليس مطروحاً حالياً. وقال رداً على دعوة الوزير ليون المعتصمين للصعود إلى الوزارة للنقاش «حين يقبل الوزير مطالبنا ندخل مكتبه». وطالب المعتصمون بإنجاز دراسة ثالثة محايدة لخبراء دوليين تحدد أهمية الموقع الأثري الذي دمر وتبحث طرق التعويض عن الضرر الذي وقع. وأكد نجيم الذهاب إلى القضاء اللبناني للمحاسبة، مشيراً إلى أن التجمع سيطعن بقرار الوزير برفع الموقع عن لائحة الجرد العام أمام مجلس شورى الدولة، وسيحول فريق من المحامين الملف الى محكمة الجزاء. وبرر نجيم التسرع في الهدم بالسابقة التي حصلت مع المدرج الروماني، فالتجمع أوقف طلب الوزير بالعمل في الموقع بقرار من مجلس شورى الدولة. وأوضح أنّه «صدر قرار الوزير برفع موقع فينوس عن لائحة الجرد العام، لكننا سنطعن به أيضاً، لذا باشروا بالعمل قبل أن يصدر القرار، لكن ذلك لم يمنعنا من الحصول على قرار من قاضي الأمور المستعجلة، أوقف على أساسه العمل في الموقع. ومع ذلك لن نتوقف هنا، بل سنكمل المعركة أمام القضاء ضد شركة فينوس. هم الآن لا يستطيعون البناء وسنعمل لنبقي الأمر كذلك». من هنا بدا مستغرباً أن لا يسير المعتصمون إلى مكاتب شركة فينوس التي تبعد عنها شارعين فقط بدلاً من الاكتفاء بالاعتصام أمام الوزارة.
تجدر الإشارة إلى أن الموقع الأثري في ميناء الحصن أثار جدلاً كبيراً حول جهة استعماله من جهة، وضرورة المحافظة عليه من جهة ثانية. فعندما اكتشفت الآثار، قالت الدراسات النظرية الأثرية الأولى إنها زلاقات لمرفأ فينيقي، وتمت عملية التأريخ بعد دراسة اللقى الأثرية (فخار، عملات). وأدرج الموقع في لائحة الجرد العام على أنّه مرفأ فينيفي ومعلم يزيد عمره على 2500 سنة. ثم تتالت النقاشات، وظهرت تقارير علمية أخرى تؤكد أن الحفر كان لاستخراج الصخور، لأن الموقع هو مقلع حجارة، وبدأ التجاذب العلمي. هنا طالب الوزراء السابقون والتجمع بدخول طرف علمي ثالث لحل النزاع، فتدخلت جمعيات عالمية، وكان جواب الوزارة بالاستعداد لتزويدها بالملف إذا أتى الخبراء. لكن هذا الأمر لم يحصل، وارتكز الوزير غابي ليون على قرار اللجنة، وقرر سحب الموقع من لائحة الجرد العام لأنه ليس مرفأ فينيقياً. بل ذهب أبعد من ذلك، وأبلغ صاحب العقار (من خلال مكالمة هاتفية) بقراره، فأرسل هذا الأخير الجرافات وآلات ثقب الصخور الى الموقع، حيث فتّتت المعالم المنحوتة بالصخر وتحوّل المقلع الفينيقي إلى كسارة!