محرّر الشؤون القضائية «لجأ ضحايا هجوم 14 شباط 2005 الى هذه المحكمة الدولية لأن المحاكم اللبنانية عاجزة عن تأمين العدالة. وذلك باعتراف رئيس الجمهورية آنذاك اميل لحّود» قال أمس المحامي بيتر هاينز الذي يمثّل المتضرّرين في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، خلال الجلسة الثانية لغرفة الدرجة الاولى للنظر في قانونية انشائها. قيل هذا الكلام أمام عضوي غرفة الدرجة الاولى القاضيين اللبنانيين ميشلين بريدي ووليد عاكوم اللذين شغلا مناصب قضائية في لبنان عام 2005 وقبل ذلك.

وبالتالي فإن القاضيين اللبنانيين شهدا أمس، من دون أن يتلفظا بأي اعتراض أو ملاحظة، على وصف المؤسسة التي كانا جزءاً منها بـ«العاجزة عن تحقيق العدالة». الا يعني ذلك أن جميع الاحكام والقرارات القضائية التي صدرت عن محاكم أو هيئات قضائية بعضوية هذين القاضيين، أو بعضوية القاضية جوسلين تابت (نائبة المدعي العام الدولي) منذ قبل 2005، غير عادلة؟ الجواب على هذا السؤال قد لا يكون محرجاً بقدر ما قد يكون موقف هؤلاء القضاة بعد عودتهم الى مراكزهم تحت قوس المحاكم اللبنانية، وأمام زملائهم ورؤسائهم المكلفين فرض احترام مقتضيات الدستور الوطني، لا التساهل في انتهاكه أمام الهيئات الدولية.
محامو الدفاع في المحكمة الدولية انطوان قرقماز وجون جونز وفنسان كورسيل لابروس وياسر حسن ويوجين اوسوليفان واميل عون ودايفد يونغ وغنايل ميترو المكلفون الدفاع عن سليم عياش ومصطفى بدر الدين وحسين عنيسي وأسد صبرا كانوا قد قدّموا أمام غرفة الدرجة الاولى دفوعاً أوّلية طعنوا من خلالها بقانونية انشاء المحكمة وبشرعية اختصاصها القضائي. وأثبت هؤلاء على مدى يومين من المرافعات أن مجلس الأمن الدولي انتهك المادة 52 من الدستور اللبناني وضرب عرض الحائط بالسيادة الوطنية للبنان وتدخل في شؤونه لتقديم فريق سياسي على حساب آخر في مساهمة مباشرة في توسيع الشرخ بين أبناء البلد الواحد.
«ان ميثاق الامم المتحدة لا يخاطب الدول الا بواسطة دساتيرها ومن هنا اهمية احترام الدستور اللبناني» قال المحامي اللبناني اميل عون أمام غرفة الدرجة الاولى أمس، وأضاف «ان مخالفة الدستور اللبناني هو مخالفة للقانون الدولي العام».
القاضيان اللبنانيان تابعا عملهما كالمعتاد وكأنهما من جنسيات أجنبية وكأن لا علاقة لهما بلبنان ومؤسساته ودستوره الوطني، علماً بأن المرسوم الذي أحالهما على المحكمة الدولية لم يشر الى خروجهما من السلك القضائي اللبناني.
وكانت الجلسة قد انطلقت بمطالعة المحامي هاينز الذي أيد نظر المحكمة في الطعون بقانونية انشائها مشيراً الى أنه يعدّها قانونية وصاحبة اختصاص للنظر بجريمة 14 شباط 2005. وردّ هاينز على مطالعات الدفاع مشيراً الى أن لا دليل على عدم مشاركة الرئيس اميل لحود بالتفاوض، ومدّعياً أن البرلمان مُنع من الانعقاد للتصويت على الاتفاقية الدولية التي تقضي بانشاء المحكمة. لكن المحامي البريطاني نسي أو تناسى أو تجاهل ربما نصّ المادة 52 من الدستور اللبناني الذي يذكر بأن رئيس الجمهورية «يتولى» المفاوضة بشأن المعاهدات الدولية، كما تناسى المحامي أن رئيس مجلس النواب المحامي نبيه بري رفض دعوة المجلس الى الانعقاد يومها لأنه رفض تسلّم مسودة مشروع القانون الذي ارسل من حكومة فاقدة للشرعية الدستورية (بموجب الفقرة «ي» من مقدمة الدستور).
تابع هاينز مرافعته بقوله ان مجلس الامن مخوّل فرض اجراءات على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع حتى لو كانت تلك الدول موافقة جزئياً على تلك الاجراءات كما هي الحال بشأن المحكمة الدولية. وفي اشارة واضحة لتأييده لما كان مكتب المدعي العام قد تناوله أول من أمس من تبرير لانتهاك الدستور اللبناني، قال: «لا أريد ان اكون دراجة مقابل الشاحنة التي قادها (مساعد المدعي العام داريل) مندس امس».
وبهدف التشديد على قانونية المحكمة قال هاينز ان لبنان لم يعترض رسمياً على قيامها و«ان صمت لبنان يوازي قبوله». وأضاف ان الحكومة اللبنانية «دعمت عمل المحكمة بأكثر من طريقة».
قبل عرض بعض ردود المحامي قرقماز على مضمون مرافعات الادعاء العام، لا بدّ من الاشارة الى ردّ المحامي عون على المحامي هاينز. ذكّر عون اوّلاً بأن لبنان رفض رسمياً مشروع الاتفاقية لانشاء المحكمة الدولية وذلك من خلال عدم توقيعها من قبل رئيس الجمهورية وعدم موافقة مجلس النواب عليها. اما بشأن ما قاله مندوب لبنان لدى الامم المتحدة عن ترحيب لبنان بالقرار 1757 الذي انشئت المحكمة بموجبه فهو لا يمثل موقف لبنان الرسمي بل يمثّل موقفه الشخصي وموقف الحكومة الفاقدة للشرعية الدستورية التي كلّفته بذلك. وذكّر عون بنصّ المادة 49 من الدستور التي جاء فيها أن «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور»، وبنصّ المادة 52 الواضح «ولا مجال للاجتهاد». أما بشأن التمديد للمحكمة وتمويلها فشدّد المحامي اللبناني على أنه لم يتخذ قرار رسمي بشأنه على مستوى المؤسسات الدستورية. وحدّد بأن «مصدر التمويل بقي مجهولاً». أما بشأن ما ادعى به هاينز من ان الصمت هو علامة قبول فأوضح عون انه لا ينطبق على القانون الدولي. ثمّ انتقل المحامي الى الردّ على المدعي العام الذي زعم أن الطعن بشرعية المحكمة على اساس الانتقائية لا قيمة قانونية له. واستشهد عون باعتراف للامين العام للامم المتحدة في تقريره الرسمي الذي جاء فيه «ان المحكمة ستكون عرضة لهذا النوع من الطعون والانتقاد»، واوصى الامين العام بـ«ضرورة توسيع الاختصاص»، واعتبر أن «افراد جرم واحد في سياق هجمات اخرى من شأنه ان يفضي الى شعور بانتهاج عدالة انتقائية وشكوك بشأن موضوعية المحكمة ونزاهتها».
المحامي الباريسي قرقماز أشار بدوره الى عدم قانونية قرار مجلس الامن 1757 مؤكداً انه «أحدث بلبلة في المجتمع اللبناني» وهو يشكل «اساءة لاستخدام السلطة». أما بشأن عدّ المجلس جريمة اغتيال الحريري تهديداً للسلم والامن الدوليين فسأل قرقماز عن توقيت ذلك التهديد، وهل انتهى التهديد اليوم ام انه كان قائماً قبل اغتيال الحريري؟ وهل كان التهديد قائماً عام 2007 عندما صدر القرار 1757؟ وأوضح قرقماز ان التهديد بحسب مجلس الامن هو اما بسبب عدم تعاون الدول ما يستدعي اصدار قرارات ملزمة مثل الوضع في السودان (في ما يخصّ احداث دارفور) او في ليبيا (بشأن انفجار الطائرة فوق لوكربي) أو في افغانستان (عدم تعاون الطالبان)، أو بسبب الاعتداءات الارهابية الموصوفة وهي تختلف عن الاغتيالات السياسية التي تندرج جريمة 14 شباط في سياقها.



سابقة تتيح تبرئة عملاء اسرائيل



ختم القاضي روبرت روس (الصورة) جلسة المحكمة الدولية أمس ومنح هيئتها يومين للتشاور قبل الرد على طلبات الدفاع. ويُرجّح أن تقرّر الغرفة بأن المحكمة قانونية وأن لديها الاختصاص الشرعي للنظر في جريمة اغتيال الحريري. لكن اللافت في جلستي امس وأول من أمس هو أن محاضرهما تشير الى ان اللجوء الى انشاء المحكمة الدولية جاء بسبب عجز السلطات القضائية اللبنانية عن تحقيق العدالة في الجرائم الجنائية، وهو ما كرّره المحامي بيتر هاينز أمس متحدثاً نيابة عن المتضررين من جريمة 14 شباط 2005. وقد يتيح ذلك لكلّ شخص ادين في المحاكم اللبنانية منذ ما قبل 2005 عدّ تلك الادانة غير عادلة مستنداً الى ما ورد رسمياً في محاضر المحكمة الدولية. ومن بين الاشخاص الذين ادانهم القضاء اللبناني عشرات العملاء للعدو الاسرائيلي. تضاف الى ذلك مشكلة قيام السلطات اللبنانية باعدام بعض الاشخاص الذين ادانهم القضاء، فهل يفترض تجريم الجمهورية اللبنانية باعدام الناس استناداً الى احكام غير عادلة؟ ومن أين تبدأ المحاسبة ومن تشمل؟