جلس في مكاتب المعهد الفرنسي في بيروت، وفي الجامعة اليسوعية، عشرات من أهل الاختصاص، في اليومين الماضيين، للبحث في سبل حماية التراث. المؤتمر الذي موّلته السفارة الفرنسية في بيروت بالتنسيق مع مكتب منظمة اليونسكو الإقليمي، حاول أن يجمع المعنيين من العالم العربي وفرنسا. فكان هناك لبنانيون وفلسطينيون وعراقيون ويمنيون ومصريون وأردنيون وسعوديون، الى جانب فرنسيين من العاملين في مكافحة الاتجار بالآثار أو في حماية الآثار في فترات الأزمات.
افتتحت الورشة بكلمات لكل من مدير المعهد الفرنسي ومدير مكتب منظمة اليونسكو الإقليمي ووزيري الثقافة والسياحة اللبنانيين ووزير الآثار المصري والنائبة بهية الحريري رئيسة لجنة التربية والثقافة النيابية. تناول السياسيون أهمية التراث في العالم العربي وضرورة المحافظة عليه، وتمنوا للعلماء النجاح في المؤتمر. وكان تشديد على ضرورة توقيع البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلح.
وفي سياق العرض والمناقشات بين المحاضرين، طُرحت مسألة تسمية المديرية العامة للآثار في لبنان، التي تقع حماية كل الممتلكات الثقافية تحت مسؤوليتها بحسب القانون. فهذه المديرية لا تحمل في اسمها ما يشير الى الحفاظ على التراث، ما يضعف حساسية الرأي العام تجاه أهمية حماية «التراث الملموس» مثل المباني القديمة والثياب التقليدية، أو «غير الملموس» مثل العادات والتقاليد والأغاني. وتطرّق البحث الى أفضل طرق المحافظة على التراث الثقافي والأثري، وهل يجب أن تكون الخطوات سياسية أم تربوية، فكان توافق على أن حماية التراث قرار سياسي بامتياز. فعندما تقرر حكومات الدول أن تعطي للتراث والثقافة الأهمية التي تستحق، تعمل، في مرحلة أولى، على حمايتها بإصدار قوانين والتأكد من تطبيقها، وهي الضامن الوحيد للمحافظة على هوية المدن مع العولمة التي تهدم الثقافات المحلية. فيما المرحلة الثانية طويلة الأمد، عبر التربية وإشراك المجتمعات المدنية في المحافظة على التراث. أما بالنسبة الى المتاحف والمواقع الأثرية، فحمايتها تتم، أولاً، بإتمام الجردات الكاملة للقطع المكتشفة والمخزّنة والمعروضة في المواقع، لأن هذه المعلومات تشكّل ضامناً للمطالبة بالقطع في حال التعرض لعمليات نهب أو هدم جراء النزاعات أو المخاطر الطبيعية.
القضايا التي تطرّق لها المؤتمر ليست غريبة عن ورشات العمل في العالم الغربي، إلا أنها لم تدخل بعد في سياق المحاضرات في العالم العربي، ما يعطي للورشة بعداً آخر وأهمية كبرى، وخصوصاً أن الصراعات التي يشهدها العالم العربي حالياً تطرح هذه المسألة يومياً. لكن المشاركين لم يتطرقوا، مثلاً، الى كيفية حماية تاريخ مدينة طرابلس وتراثها، وخصوصاً أن أحياءها القديمة تشكّل مسرح الأحداث الأمنية التي شهدتها أخيراً. هذا البعد التطبيقي للنظريات المتداولة في ورشة العمل برز أكثر مع غياب زيارة المتحف الوطني عن جدول أعمال الورشة. فالمتحف الذي يبعد أمتاراً عن القاعة التي استضافت المحاضرين هو أفضل حالة تدرس عن المعالم الثقافية المتضررة في الحروب والتي عمل موظفوها على حمايتها. فيما اقتصر العمل الميداني على زيارة مدينة صور امس لمتابعة ميدانية للمداخلات التي برزت للحفاظ على تراث صور وتوعية الشباب بأهميتها.
إلا أن ذلك لا يقلّل من أهمية مداخلات المحاضرين، سواء حول التوعية أو للمشاركة في الخبرات. إلا أنه يسجل أن ورشة عمل بهذه الأهمية لم تشهد حضوراً كبيراً، إذ إن المعهد الفرنسي قرر أن يحدد الدعوات ضمن لائحة مقتضبة من أهل الاختصاص، فانحصر العدد في ما لا يزيد على خمسين شخصاً مع اللجان التي تمثل بلدانها. وكان العدد الأكبر من الحضور من الباحثين الفرنسيين العاملين في مركز الأبحاث التابع للسفارة، علماً بأن عدداً من هؤلاء تعاملوا مع الحضور بطريقة استعمارية، فحرصوا على الانزواء بعيداً عن بقية المشاركين، وعلّقوا متهكمين على أخطاء لغوية بسيطة لأحد المحاضرين بالفرنسية.
كان مؤسفاً أن تحدّد المشاركة في مؤتمر من هذا الطراز، وخصوصاً عندما تكون المشاركة دولية واسعة، وأن يغيب عنه أساتذة الاختصاص من مختلف الجامعات اللبنانية، وخصوصاً أن لبنان هو المعني الأول بالحفاظ على تراثه الذي لن يكون أحد أحرص عليه من أهله.