قبل عدة شهور كان أحمد م. يستعد لتسلم آلتين لتصنيع الشوكولا، لكنه لمّا اكتشف عبر الموظف المكلف بالشحن في الصين أن الآلتين معدّتان لتصنيع الأدوية، أبلغ شعبة المكافحة البرية في الجمارك. وتمكن عناصر الجمارك من ضبط الآلتين اللتين تُستخدمان لتصنيع حبوب مخدرة من نوع «كبتاغون». أوقف المستورد الذي يدعى «مروان س.». حتى هذه اللحظة، كانت الأمور تسير وفق المعتاد لدى ضبط أي محاولة تهريب، لكن لقب الموقوف الذي يُعرف بـ«الدكتور» شدّ أنظار المحققين، فانطلق تحقيق مواز في مكتب مكافحة المخدرات المركزي. لأجل التثبت من شخصية الموقوف، على فرضية انه لو ثبت أنه هو الشخص المطلوب نفسه، فإن القوى الأمنية ستكون قد وقعت على صيد ثمين، باعتباره من أبرز الضالعين في تصنيع المخدرات لبنانياً.
وبالفعل، أظهر الاستجواب الذي أُخضع له مروان س. أنه «الدكتور» المشتبه فيه. فاعترف الرجل بتصنيع المخدرات والاتجار بالمواد الأولية التي تُصنّع منها، والآلات التي تُستعمل في ذلك. وتبين أن واحدة من الآلتين المضبوطتين كانت ستتجه بقاعاً، فيما ستُنقل الأخرى إلى الشمال.
المعلومات التي أدلى بها «الدكتور» أدت إلى ضبط خمسة أطنان من مادة الكافيين السائل، و2330 ليتراً من مادة الإثير المُستخدمتين في تصنيع الكابتاغون، كما أسهمت في توقيف عميل جمركي في مرفأ بيروت يدعى بيار ح. تبين أنه استورد المواد المضبوطة وأخفاها. كذلك أُوقف خبير كيميائي متعاقد مع قوى الأمن الداخلي، ضُبط في منزله 100 كيلوغرام من مادة الكافيين، كان قد اشتراها من «الدكتور». الموقوفون الثلاثة اعترفوا بتورّط قرابة عشرة أشخاص معهم في عملية تصنيع المخدرات.
بعد ذلك عُمّمت بلاغات بحث وتحرّ. فتمكن مكتب مكافحة المخدرات ـــــ فرع البقاع من توقيف أحمد ز. وشقيقه مهدي في بلدة إيعات. اعترف الموقوف أحمد بأنه يخلط المواد الكيميائية لتصنيع الحبوب المخدرة لمصلحة عماد م. وشريكه رجل الدين هاشم م. من بلدة النبي شيت. ليتبين لاحقاً أن شقيقه جهاد كان يعد لتسلّم الخلطة وإعادتها على شكل «حبوب عليها شعار الكابتاغون». وأفاد الموقوف نفسه أنه كان يُسلّم هذه الحبوب لشخصين من بلدة عرسال يقومان بتهريبها، علماً أن المملكة السعودية تُعد المستهلك الأكبر لحبوب الكابتاغون. وبالنسبة إلى المواد الأولية، فأشار إلى أنه يحصل عليها من مروان س. المعروف بـ «الدكتور».
التوسّع في التحقيق مع الموقوف أحمد، أدى إلى ضبط أربعة أطنان من مواد كيميائية، تستعمل في صناعة حبوب الكابتاغون، كانت مخبأة في مستودع في بلدة إيعات يعود إلى نظير خ. أوقف الأخير، فنفى علاقته بعملية التصنيع، كاشفاً أنه أجّر مستودعه لكل من أحمد ز. وصهره حسين ع. م.
عقب ذلك، دُهم منزل ذو الفقار م. الذي يعمل سائقاً لدى رجل الدين، فضُبطت فيه بعض معدات تصنيع المخدرات، ومواد أولية تُستخدم في صناعتها، فيما تمكن ذو الفقار من الفرار.
بموازاة ذلك، توافرت معلومات لدى القوى الأمنية تُفيد بأن مدرسة دينية في البقاع (حوزة علمية) تُستخدم كغطاء لتصنيع المخدرات، ترتبط ارتباطاً مباشراً برجل الدين، مقرها في حي العسيرة. وهذه المدرسة كانت قد نالت ترخيصاً من مفتي البقاع الشيخ خليل شقير، قبل أن يُسحب ترخيصها. إزاء ذلك، بدأت عملية مراقبة مركّزة، بالتنسيق مع قيادة حزب الله، الذي تولّت جهات فيه التحقق من المعلومات. وأدت التحقيقات التي أجريت مع الموقوفين والمعلومات التي جمعتها الأجهزة الامنية، إلى اكتشاف وجود مستودع يحتوي على معمل كيميائي لتصنيع المخدرات في محلة التيرو ــ الشويفات. وقد جرت مداهمة المستودع المذكور والعثور فيه على آلات لتصنيع المخدرات والمواد الكيميائية المكوّنة لها. وبحسب وصف أحد الأمنيين، فإن المصنع المضبوط شبيه بمصانع الكوكايين في كولومبيا، من حيث الضخامة. وعلمت القوى الأمنية أن ملكيته تعود إلى المدعو حيدر ذ، فجرى توقيفه بعد عملية استدراج له. وأفاد حيدر بأنه يقوم بالاشتراك مع أستاذ الكيمياء فاروق م. بتصنيع مادة باز الأمفيتامين لمصلحة رجل الدين وعماد م، كاشفاً أن هناك رجل دين آخر يدعى عباس ن، ينقل المواد الأولية إلى المصنع، ويتسلم المواد المصنّعة. وبنتيجة عملية استدراج مُحكمة، أُوقف أستاذ الكيمياء في حارة حريك، فيما أوقف الشيخ على حاجز ضهر البيدر.
بدأ المحققون باستجواب الموقوفين الجدد، فزعم الشيخ الذي رفض خلع العمامة الدينية أثناء استجوابه أن «هناك فتوى دينية تُجيز تعاطيها باعتبارها منشطات لا مخدرات»، فيما برّر أستاذ الكيمياء الموقوف امتهانه تصنيع المخدرات بأن «الدولة مقصّرة تجاهنا»، لكنه اعترف بتحصيله قرابة مليون ونصف مليون دولار خلال مدة قصيرة جرّاء عمله. وفي السياق نفسه، أظهرت التحقيقات أن حيدر ذ. وفاروق م. يُصنّعان المخدرات في هذا المستودع منذ عام 2007 لقاء 300 دولار عن كل كيلوغرام من باز الأمفيتامين، كما أقرّ كل منهما بتقاضيه قرابة مليون ونصف مليون دولار نتيجة أعمال التصنيع، بناءً على طلب رجل الدين هاشم وشريكه عماد م. لكن القوى الأمنية فشلت في توقيف كل من رجل الدين هاشم وشقيقه جهاد وعماد م. إذ بعد دهم منزله تبين أنه هرب قبل ساعة من حصول العملية. وقد تضاربت المعلومات بشأن مكان اختبائه، وتردد أنه التجأ إلى تركيا أو العراق.
وفي محكمة الجنايات في بعبدا، أخلي سبيل مروان س. بكفالة مالية. في موازاة ذلك، تفيد المعلومات المتداولة بقاعاً أن الشقيقين الفارين لم يغادرا لبنان أبداً. وأن حزب الله يبذل جهداً في سياق توقيفهما، علماً أن الحزب كان قد أبلغ السلطات القضائية والأمنية انه لا يوفّر اي غطاء سياسي لأحد، وهو معني بملاحقة المتورطين بمعزل عن اي صفة يحملونها، او اي صلة عائلية تربط بعضهم بمسؤولين في الحزب.



من أوروبا إلى الخليج... وسوريا

أصبح استعمال مادة الكبتاغون غير قانوني في معظم البلدان منذ عام 1986، بعدما أدرجته منظمة الصحة العالمية في لائحة الممنوعات، رغم أن المعدل الفعلي لتعاطيها كان منخفضاً جداً قياساً إلى اليوم. يُصنّع الكبتاغون بطرق غير قانونية في أوروبا، ومنها يُهرّب عبر تركيا إلى أسواقه الرائجة في منطقة شبه الجزيرة والخليج العربي تحديداً. وتُعد السعودية أكبر المستهلكين لهذا النوع من الحبوب (كانت المملكة السوق الأبرز للعصابة التي افتضح أمرها). وهو يُستخدم كمنبه للجهز العصبي المركزي، ويُستعمل علاجاً مضاداً للاكتئاب بدلاً من الأمفيتامين. ويشعر متعاطيه بتوسّع في أوعية القصبة الهوائية وينتابه شعور بالطاقة الزائدة. وتشير معلومات الى أن توزيع هذا النوع من الحبوب بدأ يلقى رواجاً في سوريا حيث يستخدمه المقاتلون لمساعدتهم على التغلب على الشعور بالخوف.
وكان لبنان استضاف عام 2008 مؤتمراً دولياً حول «تهريب الكبتاغون في منطقة الشرق الاوسط»، كان الثاني من نوعه لمكافحة انتشار هذه المادة.