انتهت معركة المجلس البلدي في البيرة رسمياً في السابع من أيار. كانت النهاية غداة اليوم الانتخابي الطويل بإعلان وزارة الداخلية أسماء الفائزين الخمسة عشر في سبعة صناديق، من أصل ثمانية، بعدما أهملت الصندوق الثامن الذي كان مدار معركة بين مندوبي اللائحتين المتنافستين، أدت إلى تبعثر أوراقه وتشتتها.
بمقاييس وزارة الداخلية، جاءت حصيلة التنافس الانتخابي بالأعضاء الذين سيتولون تنمية البلدة وإدارة شؤونها الداخلية، ريثما تنتهي ولاية المجالس البلدية الحالية بعد أربع سنوات. «حقل» الداخلية لم يتوافق مع «بيدر» البيرة، التي ستكون في غضون السنوات الأربع القادمة أمام استحقاقات لن تطيح المجلس البلدي الحالي كما حصل مع المجلس السابق فحسب، بل قد تطيح استقرار البلدة برمتها أيضاً.
لم تتأخر المؤشرات لتعلن عن نفسها، فمع صدور النتائج، كان أنصار لائحة «ربيع البيرة» يقطعون الطريق بالإطارات المشتعلة احتجاجاً على قيام وزارة الداخلية بإعلان النتائج من دون أخذ أصوات المقترعين في الصندوق الثامن بعين الاعتبار. كان الاحتجاج على ما عدّه رئيس لائحة «ربيع البيرة» محمد وهبة، انتهاكات أدّت إلى فوز اثني عشر عضواً من لائحة «مستقبل البيرة ونصرة الثورة» عبر إقحام الثورة السورية في الانتخابات البلدية، مع أناشيد «الجيش السوري الحر» التي كانت تصدح في سماء البلدة، ومعها صور عملاقة للأطفال القتلى قبالة مراكز الاقتراع وفي الأماكن العامة، مروراً بـ«شنط المال» المرسلة من جهات دولية، وانتهاءً ببيانات التحريض التي تتهم مؤيدي لائحة «ربيع البيرة» بالعمالة للنظام السوري، وتتضمن عبارات بمثابة تحريض على الفتنة والقتل والتهجير من البلدة، ومنها عبارة «من يراهن على النظام الطاغي والبائد في سوريا لا مكان له بيننا»، فيما، يضيف وهبة، إن «التنافس الانتخابي لا ينبغي أن يتجاوز قضايا الإنماء البلدي».
محاولة ذبح
وبينما كان وهبة يصرّح لـ«الأخبار»، نهار الأربعاء الماضي، عن موجبات طعن يستعد لتقديمه إلى مجلس شورى الدولة، كان أنصار اللائحة المنافسة يتجمعون للتوجه إلى قريطم عربون وفاء لمساهمة تيار المستقبل في دعم اللائحة، التي جرى الإعلان عنها في حضور نواب عكار المستقبليين، ومنسقي عكار وعضو المجلس السياسي في تيار المستقبل محمد مراد. وبمرور يومين آخرين، نقلت وكالات الإعلام خبر محاولة ذبح منير وهبي، ابن رئيس لائحة ربيع البيرة في دكانه في شارع الراهبات في طرابلس. أدّت المحاولة إلى تشطيب وجه منير وهبة بالسكاكين، ما أدى إلى إحداث جرح بعمق سنتم من جبينه حتى ذقنه، استلزمت معالجته 21 قطبة في وجهه، بحسب شقيق الجريح يوسف وهبة، الذي قال لـ«الأخبار» إن العائلة كانت قد تلقت معلومات حول احتمال التعرض للقتل، مطالباً الأجهزة الأمنية بإعطاء الموضوع الاهتمام المطلوب، وخصوصاً أن خيوطاً ووسائل عديدة يمكن أن تؤدي إلى كشف الفاعلين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الكاميرات الموضوعة على مداخل المؤسسات التجارية القريبة من مكان الحادث. ويخشى يوسف وهبة أن تتكرر مجزرة حلبا في البيرة، مشيراً إلى أنه لاحظ مجموعة تراقبه مع أفراد عائلته أثناء خروجهم من المسجد، ويعتقد أن وجود كثرة من الأقرباء إلى جوار الأسرة حال دون الاعتداء عليهم.
استنكر أقطاب اللائحة المنافسة الحادثة التي تعرض لها منير وهبة. لكن طريقة الاستنكار، وفي الوقت نفسه تقويم الحدث الانتخابي، جاءا متفاوتين، إذ يرى أحد الأعضاء الفائزين عبد اللطيف مرعب، المرشح لتولي مهمات رئاسة المجلس لمدة سنتين أن «الانتخابات البلدية انتهت مع صدور النتائج، وبعد ذلك يعود أبناء البيرة إلى علاقاتهم الأهلية» و«نقول لمنير وهبة الحمد لله على السلامة»، علماً، يضيف مرعب، بأن «لدى منير وهبة مشاكل خارج إطار التنافس البلدي، تعود لأسباب تجارية وشخصية».
أما وليد الأسعد، الذي رفض بدوره ربط حادثة وهبة بالانتخابات، فلم يحسم بعد موقفه من النتائج التي صدرت عن وزارة الداخلية، إذ في رأيه أن الصندوق الذي لم يفرز، يضم أغلبية ناخبين من أفراد عائلته، لذلك فهو بصدد التفكير في تقديم طعن وطلب إعادة الانتخاب في القلم الذي جرى تخريب الصندوق فيه. وبحسب الاتفاق بين أقطاب لائحة المستقبل، كان من المنتظر أن يتسلم الأسعد رئاسة المجلس في السنة الأولى من ولايته، لذلك يقول إنه «يحتفظ لنفسه ببصمة خاصة في طريقة توزيع ولاية المجلس».
بدوره يقول عبد الرحمن عياش، الذي يرى أن لعائلته والعائلات المتحالفة معها الدور الأبرز في إنجاح لائحة المستقبل، وأن خلافهم مع اللائحة المنافسة كان على مبدأ اقتسام ولاية المجلس سنتين بينهم وبين محمد وهبة، إنه بعد خسارة وليد الأسعد، «لم يجرِ التفاهم بعد على مصير التوزيع الذي كان نصيب ابن عمه منه سنة من في رئاسة المجلس».
كانت الانتخابات البلدية في البيرة سياسية بامتياز، ولو أنها اتخذت وجهاً عائلياً، فالعائلي في البيرة كما ستكون عليه الحال في الانتخابات النيابية القادمة، هو بدوره سياسي بامتياز أيضاً. لقد حكمت العائلة المرعبية عكار على مدى ثلاثة قرون ونيِّف، ولم تسمح بفكرة الترشح للانتخابات النيابية لأيّ كان خارج الوصاية المرعبية، وعرفت كيف تجيّر لصالحها تناقضات الولاة العثمانيين، كما عادت للاندراج تحت لواء الانتداب الفرنسي رغم اعتراض بعض قادتها عليه والمشاركة في مقاومته إلى جانب الثورة السورية، ثم تسلمت مقاليد الأمور في عكار منذ الاستقلال حتى عام 1972، ويشهد على ذلك أرشيف المجلس النيابي الذي يخلو من أيّ نائب سنّي في عكار من خارج العائلة المرعبية. فلم يحدث أن فقد المراعبة حصرية التمثيل السنّي العكاري في المجلس النيابي إلا مع الدخول السوري إلى لبنان، وبلغ ذروته مع النائبين جمال اسماعيل ومحمد يحيى من وادي خالد، اللذين حلا محل آخر نائب مرعبي في المجلس النيابي.

مقاطعة الجامعة المرعبية

وكانت الجامعة المرعبية التي يرأسها رجل الأعمال غسان المرعبي قد أصدرت تعميماً عشية الانتخابات البلدية في البيرة، تضمن الإيعاز لأنصارها بمقاطعة الانتخابات البلدية ترشيحاً واقتراعاً. وعلى الرغم من كون غسان المرعبي عضواً في المجلس السياسي لتيار المستقبل، إلا أن الجامعة المرعبية، يقول محمود توفيق المرعبي، أحد عمدائها، نأت بنفسها لأنها «ترفض التدخل في الشأن البلدي إلا من الباب الإنمائي التوافقي». ويرى محمود المرعبي أن العائلة المرعبية واحدة من كبريات العائلات اللبنانية ولها الحق في التمثيل السياسي. ويضيف إن إصرار الجامعة على تمثيل العائلة بالنائب معين المرعبي لم يكن إلا من باب إصرار الجامعة على تنفيذ تيار المستقبل وعده بتسمية معين المرعبي على لوائح المستقبل، علماً بأن للجامعة بنيتها الإدارية والتنظيمية ومكاتبها في مختلف المناطق العكارية، وهي تتعامل مع تيار المستقبل من موقعها المستقل، وبوصفها تعمل على تنظيم شؤون عائلة تضم في صفوفها ما يقارب الخمسين ألف ناخب في عكار وخارجها.
لم يختلف أقطاب العائلة المرعبية على «نصرة الثورة»، إذ يرى معظمهم أن النظام السوري أفقدهم السلطة التي كانوا يتمتعون بها على مدى قرون من الزمن. ولا تزال ذاكرة المراعبة تختزن أسماء القرى التي كانوا يملكونها داخل الأراضي السورية قبل الإصلاح الزراعي في سوريا.
ويضيف محمود توفيق المرعبي إن صكوكاً بملكية أراضي تلك القرى لا تزال بحوزة أصحابها.