تمر البلدان الأوروبية، وخصوصاً إسبانيا والبرتغال واليونان، بأزمة اقتصادية بنيوية حادّة، دفعت ملايين المحتجين إلى الشارع. من عوارض هذه الأزمة انحسار النمو وتفشي البطالة بشكلٍ كبير بين الشباب، الأمر الذي دفع الحكومات إلى تبني سياسات تقشف، أدت إلى خفض الدعم للقطاعات الأساسية كالتعليم والصحة. وهي القطاعات التي تستفيد منها الطبقات الوسطى بشكلٍ أساسي. لم تؤدّ هذه السياسات إلى تحسين وضع البطالة، والدليل أن الشباب اليوناني، وخصوصاً سكان المدن حاملي الشهادات الجامعية، لا يزالون يبحثون عن بدائل لتوفير سبل عيشهم. وقد تذكّر عدد منهم جذوره الفلاحية وعاد إلى الأرض يبحث عن مأوى يحميه من هشاشة العيش. هكذا، نجح كثيرون منهم في إحياء مزارع أجدادهم المتروكة منذ عشرات السنين وأعادوا اكتشاف طرق إنتاج كانت على أبواب النسيان. حسّن الشباب التقنيات التقليدية بالعلم الذي اكتسبوه خلال دراساتهم الجامعية وأصبحوا منتجين يسهمون في الاقتصاد المحلي ويصدّرون منتجات متخصصة، كمادة الماستيك المستخرجة من صنف من أصناف شجر البطم التي اشتهرت به تاريخياً جزيرة كييوس. تشهد اليونان منذ قرابة نصف عام حركة نزوح شبابية من المدينة إلى الريف، وانتقلت هذه الظاهرة إلى بلدان أوروبية أخرى، منها البرتغال. وقد نشرت وكالة رويترز أخيراً نبأً عن عودة عدد كبير من البرتغاليين العاطلين من العمل إلى الأرياف بحثاً عن حياة أفضل. وتشجع الحكومة البرتغالية بتشجيع هذا التوجه عبر خفض الضرائب على ملاكي الأرض الذين يضعون أرضهم بمتناول «الفلاحين الجدد». وقد أدى هذا التحول إلى نمو الصادرات الغذائية بنسبة ١٧٪ منذ بداية الأزمة الاقتصادية. كل هذا يجري، في وقت تعاني فيه البلدان العربية، ولبنان على رأسها، أزمات متفاقمة، وتبدو الحكومات مرتبكة في خياراتها الاقتصادية. فماذا ننتظر لدعم ظاهرة العودة إلى الأرض وتشجيع الشباب على غرس أنفسهم في وطنهم؟