لم يخطر في بال أندريه ألفتريادس، والد ميشال ألفتريادس، أن مديرة فرع بنك البحر المتوسط _ فرع الكسليك كانت تخطط لسرقة أمواله. فالعائلة المدّعية هي من الزبونات المهمّين لدى المصرف المذكور. حركة حساباتهم المصرفية كثيرة بشكل، ربما، اعتقدت مديرة الفرع أنه سيحول دون ملاحظة أي نقص قد يحصل على الحسابات المالية. ما كان يدور في خلد مديرة الفرع لم يتنبأ به الوالد ألفتريادس.
وبناءً على ذلك، لم يفاجأ عندما أبدت مديرة فرع مصرف البحر المتوسط جني ن. استعدادها للانتقال إلى مكتبه، مدّعية أنها بذلك تُجنّبه عناء الانتقال إلى المصرف، ليتمكن من سحب المبالغ المالية التي يريدها من حسابه. وهي ليست المرة الأولى التي تُقدّم له عروضات، علماً بأنه يلقى معاملة خاصة من المستخدمين في المصرف، فاعتقد أن ذلك يدخل ضمن الخدمات الروتينية التي سيحظى بها باعتباره زبوناً من فئة «VIP»، فضلاً عن أنه يملك مكتباً في ذات المبنى الذي يوجد فيه المصرف في محلة الكسليك.
لا يعلم أحد متى بدأت القصة بالتحديد؛ إذ إن التحقيق لا يزال في أوّله. والمعلومات المتوافرة في هذا الخصوص محدودة، علماً بأن «الأخبار» أجرت اتصالاً بالجهة المدعية ممثلة بوكيلها القانوني المحامي حسين قازان وبشخص ميشال ألفتريادس، لكنهما رفضا التعليق على الموضوع مكتفيين بالقول إن المسألة باتت بيد القضاء والتحقيق لا يزال سرّياً أمام قاضي التحقيق في بيروت. أما الوقائع التي حصلت عليها «الأخبار»، نقلاً عن مصادر قضائية معنية بالقضية، فكشفت أن عائلة ألفتريادس تملك حسابين مصرفيين في بنك البحر المتوسط، أحدهما بالدولار والثاني بالليرة اللبنانية. وتتجاوز حركتهما المصرفية مئات آلاف الدولارات سنوياً. وتشير الوقائع القضائية إلى أن مديرة المصرف المدعى عليها جني ن. كانت تنتقل إلى مكتب ألفتريادس لتسلّمه المبالغ المالية التي يطلبها بعد أن يوقّع لها على إشعارات السحب. بهذا الشكل كانت تبدو العملية سليمة في نظر ألفتريادس، لكن التحقيقات أدّت إلى الاشتباه في أن مديرة الفرع كانت تعمد في كل عملية سحب إلى حمل ألفتريادس على توقيع إشعارين بدلاً من واحد، وفي أنها كانت تزعم أن ذلك من متطلبات العمل المصرفي ضمن سياسة يتّبعها المصرف. ولم يكن ألفتريادس يشكّ في ما يجري، معتقداً أنها إجراءات روتينية. ولا سيما أن هناك موظفاً آخر في المصرف كان يتولى المسألة نفسها سابقاً. لكن التحقيقات بيّنت أن إحدى العمليتين كانت صحيحة؛ إذ كان ألفتريادس يتسلم قيمتها مباشرة، وهذا ما كان يمنعه من الشك في ما يجري. أما الإشعار الثاني، فكان يُستخدم لاختلاس الأموال. وكان قبض الأموال المختلسة يحصل إما في التاريخ ذاته أو في تاريخ لاحق. مرت مدة غير محددة على تكرار هذه الآلية، واستمر ذلك إلى أن فوجئ ألفتريادس بأن حسابه المصرفي لا يعكس حقيقة الرصيد واكتشف وجود سحوبات لم يقبضها. قد يكون ذلك غير كافٍ لاشتباه في فرع المصرف أو في مديرته، إذ يمكن تبرير ذلك بأن هذه السحوبات تجري وفقاً لإشعارات وقّعها المودع بملء إرادته ليمنحها إلى المديرة المعنية، لكن تفاصيل إضافية أدت إلى قطع الشك باليقين؛ فقد تبين وجود عملية سحب مبلغ مليوني ليرة لبنانية بتاريخ كان فيه المدّعي خارج لبنان. هذه العملية لم تكن الوحيدة التي حصلت أثناء وجوده في الخارج، فالكشوفات التي طُلبت بيّنت أن عملية سحب أخرى لمبلغ مشابه حصلت عند الساعة العاشرة صباحاً من نفس النهار الذي كان قد غادر خلاله مطار بيروت إلى قبرص، إلا أن مغادرته لبنان كانت عند السادسة صباحاً. وللعلم أيضاً، إن هاتين العمليتين، بحسب المصادر، عينة من عشرات العمليات الاحتيالية التي تعرض لها ألفتريادس. لم يقصد المودع القضاء بداية، بل قصد المدير العام لبنك البحر المتوسط. أخبره بشكوكه، وعرض عليه تسجيلات مصوّرة تظهر فيها المديرة وهي تعرض على موظفة المحاسبة التي تعمل لحساب عائلة ألفتريادس، والتي كشفت الاختلاس، مبالغ مالية مقابل صمتها. في البداية، طلب المدير العام من ألفتريادس التروّي للتحقق من سلوك المديرة المشتبه فيها مخافة أن يكون ذلك قد تكرر مع زبائن آخرين. وانتهى الأمر بالمصرف مرغماً المديرة على توقيع أوراق تُحمّلها مسؤولية أي فعل شائن حتى يرفع المسؤولية عن نفسه ثم طردها بعد أن ادّعى عليها بجرم إساءة الأمانة. راجعت عائلة ألفتريادس المصرف مجدداً، فردّ بأنه صرف المديرة ومعها عدد من الموظفين الذين اشتبهت إدارة المصرف في تورّطهم. فوجئت العائلة بردّ المصرف الذي «قطع الطريق عليهم». وطلب إليهم أحد المسؤولين في المصرف في إحدى المرات ما مضمونه أن اذهبوا وقاضوها لا علاقة لنا بها. وأكمل قائلاً: أي قاض سيجرؤ أن يأخذ دعوى ضد بنك البحر المتوسط؟
وفي التفاصيل، لدى الجهة المدّعية تقدير أولي للمبلغ المالي المختلس، لكن التحقيق لا يزال جارياً لتحديد كامل المبلغ، علماً بأنها كانت قد تقدمت بشكوى جزائية ضد المصرف ومديرة الفرع أمام قاضي التحقيق في بيروت شوقي الحجار مدعية عليهما بجرائم الاحتيال والتزوير والاختلاس وإساءة الأمانة. وعلمت «الأخبار» من المصادر القضائية نفسها، أن عائلة الضحية تقدمت بطلب حجز احتياطي لدى رئيس دائرة التنفيذ في بيروت، طالبة إلقاء الحجز الاحتياطي على 62 سهماً عادياً ومليون سهم تفضيلي فئة (أ) العائدة لشركة بنك البحر المتوسط وعلى كافة الأموال المنقولة أو غير المنقولة المملوكة منه.
تجدر الإشارة إلى أن شركة بنك البحر المتوسط ش.م.ل.، المطلوب الحجز بوجهها، تُعد، بحسب مصادر قانونية معنية بالملف، مسؤولة مسؤولية شخصية ومدنية عن أفعال موظفيها، فمديرة الفرع جني ن. اختلست أموال ألفتريادس من خلال استغلال وجودها كموظفة في المصرف المذكور. يذكر أن قاضي التحقيق في بيروت شوقي الحجّار حدّد تاريخ 28 الشهر الجاري موعداً لاستجواب مديرة فرع بنك البحر المتوسط السابقة جني ن. وممثلاً عن المصرف، علماً بأنها تعمل اليوم مديرةً لفرع أحد المصارف الأخرى.