قبل 7 سنوات، وبعد طول انتظار، صدر قانون حماية المستهلك الرقم 659، متضمناً إنشاء لجنة لحل النزاعات تُعرف بـ «محكمة المستهلك». هذه المحكمة، بحسب المادة 97 من القانون المذكور، يرأسها قاض مع عضو ممثل لغرف التجارة والصناعة والزراعة، وآخر ممثل لجمعيات حماية المستهلك. اختصاص هذه المحكمة، الحصري، هو «النظر في النزاعات الناشئة بين محترف (تاجر...) ومستهلك». هذا على مستوى النص، لكن أين هي هذه المحكمة على أرض الواقع، وماذا عن إنجازاتها خلال السنوات السبع الماضية؟ الجواب: «لا توجد محكمة»! هذا الجواب سيسمعه السائل بعد سؤاله عن كل تفصيل يتعلق بأمرها. أصلاً ما كان لأحد أن يسمع بهذه المحكمة، اللهم إلا من أصدر مراسيمها، لولا الإطلالات الإعلامية لبعض الناشطين خلال الأسابيع الماضية، إثر موجة اكتشاف اللحوم الفاسدة.
«اللجنة (المحكمة) لم تجتمع منذ إنشائها... بل لم يحدد لها مقر، كما لم يعيّن لها كاتب». هذا ما تقوله ليلى الحركة، العضو في المحكمة التي تمثّل جمعيات المستهلك. لا تتذكر الحركة أصلاً تاريخ صدور مرسوم تعيينها. أكثر من ذلك، لم يحصل أن تعرفت على رئيس المحكمة ولا على العضو الثاني فيها، بل لم يحصل بينهم أيّ اتصال هاتفي حتى!
كيف تصدر مراسيم بتعيين أعضاء لهذه المحكمة، المنصوص عليها في القانون، ومع ذلك لا تجتمع ولا تقوم بعملها؟ لا يجد رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برو، تفسيراً لهذه «الحزّورة». يلقي باللوم على وزارة الاقتصاد والتجارة التي «عطلت هذه المحكمة... إذ يقول المعنيون في الوزارة إنه لا حاجة إليها، وإنهم يقومون بمعالجة النزاعات من دون الاضطرار إلى رفعها إلى المحكمة». وبحسب برو، فإن محكمة المستهلك لا يمكنها الانعقاد حالياً، حتى لو قرر أعضاؤها ذلك، بسبب عدم تعيين كاتب فيها، إضافة إلى عدم تخصيص كومبيوتر لمكننة ملفاتها!
من الأمور اللافتة التي سيعرفها الباحث في شؤون محكمة المستهلك، فضلاً عن أنها حبر على ورق، أن رئيسها الحالي هو القاضي صقر صقر. طبعاً، هذا آخر منصب يمكن أن يتوقع أحد أن يشغله صقر، فهو حالياً مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، وبالتالي حتى لو أراد القيام بدوره في محكمة المستهلك فإنه لن يستطيع، نظراً إلى عدم اتساع الوقت لكلتا الوظيفتين. أما كيف عُيّن رئيساً لمحكمة المستهلك، ولماذا هو بالذات، فهذه من الأسئلة التي تبقى بلا جواب.
مضى على تولي صقر، صورياً، لهذه المهمة نحو سنة تقريباً، لكن خلال المرحلة الماضية كانت القاضية كارلا قسيس تشغل هذا المنصب. يظن المتصل بقسيس، وهي رئيسة محكمة سابقة، أنها ستوضح طبيعة عمل محكمة المستهلك والعقبات التي تواجهها. «بعتذر منكم... ما فيني أحكي بهيدا الموضوع»، حتى ليخال السائل أن أمر هذه المحكمة يتعلق بـ «الأمن القومي» لبلاد الأرز، وبالتالي لا يمكن البوح بأسرارها الاستراتيجية.
يُذكر أن رئيس هذه المحكمة، وهو قاض، يُعيّن بمرسوم يصدر بناءً على اقتراح من وزير العدل، بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى. أما العضوان الآخران، فيعيّنان بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير الاقتصاد والتجارة. وخلال الآونة الأخيرة، نشطت الجمعيات المعنية بشؤون المستهلك في المطالبة بتفعيل المحكمة المذكورة، وتوجهت إلى عدد من الوزراء لهذه الغاية، منهم وزير العدل شكيب قرطباوي. وفي حديث الى «الأخبار» لم يُبد قرطباوي اهتماماً بارزاً بأمر هذه المحكمة، نظراً الى الاستحقاقات «الأهم» التي ينتظرها الجسم القضائي ككل، لكنه، في المقابل، أكد على تقديمه اقتراحاً إلى مجلس القضاء الأعلى، للنظر في الموافقة على تعيين قاض جديد لرئاسة محكمة المستهلك. وعلمت «الأخبار» أن المجلس حدد اسم القاضي ورفعه إلى الوزير، و«باتت المسألة في عهدة قرطباوي، الذي عليه أن يسير في مرسوم التعيين».
ويلفت قرطباوي، من جهة أخرى، إلى أن غياب المحكمة المذكورة «لا يعني غياب المحاسبة في قضايا المستهلك، إذ تحال الشكاوى على المحاكم العادية. وعموماً، نحن في الوزارة اقترحنا تعديلات على قانون حماية المستهلك، وأحلناها على وزارة الاقتصاد والتجارة، بغية إبداء الملاحظات، قبل أن تحال على مجلس النواب لعرضها على الهيئة العامة».
يُشار إلى أن المحكمة المذكورة، أو لجنة حل النزاعات، كما يسميها القانون، إذا تبيّن لها أن أعمال أحد أطراف النزاع معاقب عليها بموجب القانون، عليها إحالة صورة عن كامل الملف على المدير العام للاقتصاد والتجارة، ليحيله بدوره، عند الاقتضاء، بعد موافقة وزير الاقتصاد والتجارة على النيابة العامة المختصة. هذا ما تنص عليه المادة 81 من قانون حماية المستهلك. هذا النص فقط، أما التطبيق... فلا تطبيق حتى اليوم، ولا من يطبّقون.



لقطة

نصّ قانون حماية المستهلك، في المادة 82 منه، على أن النزاعات الناشئة التي لا تتجاوز قيمتها 3 ملايين ليرة لبنانية، تخضع للوساطة بهدف التوفيق بين أطراف النزاع.
أما إذا كانت قيمة النزاع تفوق قيمة الثلاثة ملايين ليرة، أو في حال فشل الوساطة، فيعرض النزاع على محكمة المستهلك (لجنة حل النزاعات) بغية «إيجاد حل كامل أو جزئي إذا كانت قيمة النزاع تقل عن المبلغ المذكور.
يُذكر أنه لا يجوز تقديم الدعاوى، التي تتناول نزاعاً تقل قيمته عن ثلاثة ملايين ليرة، مباشرة الى لجنة حل النزاعات قبل استنفاد مرحلة الوساطة المنصوص عليها في القانون، كما أنه يجوز المثول أمام هذه المحكمة دون الاستعانة بمحام».



كل ما يتعلق بالمستهلكين معطّل

ليست محكمة المستهلك وحدها، من بين الهيئات التي نص عليها قانون حماية المستهلك، المعطلة منذ إنشاء هذا القانون. فهناك، مثلاً، المجلس الوطني لحماية المستهلك، الذي يتألف من وزير الإقتصاد رئيساً، ومن عضوية المديرين العامّين لتسع وزارات، هي: الاقتصاد، الصناعة، الزراعة، الصحة، البيئة، السياحة، الاتصالات، الاعلام والتربية، إضافة ممثلي نقابات وجمعيات مختلفة. هذا المجلس، بحسب رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، معطّل منذ أكثر من 6 سنوات، وذلك «بسبب الخوف من دوره في فضح عجز المسؤولين وحمايتهم للتجار وليس للمستهلكين». يُذكر أن هذا المجلس، بحسب المادة 61 من القانون المذكور، من مهامه «الحفاظ على صحة المستهلك وسلامته وحقوقه، وتأمين سلامة السلع وتحسين جودتها، وتوعية المستهلك وإعلامه وإرشاده».