قبل عشرات السنين، كانت أوراق الأشجار المتساقطة والأسمدة العضويّة المواد الوحيدة التي يعتمدها الفلاحون لتغذية مزروعاتهم بمختلف أصنافها. في حينها، كان كل شيء «ع الطبيعة»، بلا أي خطر على صحة الإنسان. بقيت الحال كما هي حتى ظهور الأسمدة الكيماويّة من نيتروجين وبوتاسيوم وفوسفور وغيرها من المواد. هنا، انتهى «مفعول» الطبيعي، وبدأت أزمة التفكير بخطة تراعي صحة الإنسان وتسهم في تطوير الاختبارات والتجارب عبر استخدام هذه المكونات. فمن دون خطة كهذه، قد تتسبب هذه الكيماويات بتأثيرات سلبية في ما لو استخدمت بطريقة عشوائية. وفي هذا الإطار، ينصح أمين سرّ نقابة المزارعين والفلاحين في البقاع عمر الخطيب، المزارعين بضرورة «استشارة اختصاصيين في هذا المجال وإجراء فحوص مخبريّة للتربة، بغرض تحديد ما تحتاج إليه الأخيرة من مواد كيماويّة وعضويّة». ويطالب المعنيين «بتشجيع الفلاحين على ذلك، من خلال إجراء هذه الفحوصات مجاناً في المختبرات التابعة لوزارة الزراعة، نظراً الى عدم قدرة البعض على تحمّل النفقات مهما تدنّت قيمتها، وبالتالي تكليف فرق فنيّة تنحصر مهامها، عند الحاجة، بترشيد المزارعين في كيفيّة أخذ العينات من التربة».
غير أن الفحوص المخبرية لا تقتصر على التربة فقط، إذ يشدد المهندس الزراعي داني أبو خليل، على ضرورة أن تشمل هذه الفحوصات «عينات من أوراق النباتات والأشجار أيضاً، لأن لكل نبتة حاجتها من المغذيات، عدا العناصر الأساسيّة وهي الأزوت والفوسفات والبوتاسيوم». وفي ضوء الفحوص، يتبيّن النقص الحاصل بالمواد المعدنيّة. ويشير أبو خليل إلى أن «هناك طريقتين لتعويض النقص الحاصل: إما بتذويب هذه المواد في التربة أو من خلال رشّها على الأوراق». أما بالنسبة إلى التأثيرات السلبيّة التي تتركها زيادة الكميات، فيلفت الى أن «ثمة عناصر تلغي فاعليّة العناصر الأخرى، فضلاً عن أن ذلك قد يتسبب بتسمم النبتة من جهة ويؤدي الى ملوحة التربة من جهة أخرى». وعلى سبيل المثال لا الحصر، تظهر الملوحة بشكل ملحوظ على وجه التربة في البيوت البلاستيكيّة. ويضيف الرجل «إن عدم اعتماد طريقة تنويع الزراعات أو ما بات يعرف بـالدورة الزراعيّة، يؤدي أيضاً الى ظهور التأثيرات السلبيّة نفسها».
وعن دور الدولة، والجدوى من تنظيم ندوات توعية في هذا الإطار، يستغرب الخطيب عدم تعاون أصحاب الشأن مع الجهود التي تبذلها وزارة الزراعة في الآونة الأخيرة، مستعيناً بمثال عن «الندوات التي نظمتها مصلحة الزراعة في بعض البلدات البقاعيّة، وقد خصصتها لإرشاد المزراعين إلى أفضل الطرق الحديثة لتسميد أراضيهم، وبالرغم من توجيه دعوات شخصيّة الى معظم هؤلاء، لم يتجاوز عدد الذين حضروا العشرين شخصاً في أحسن الأحوال». ولكل هذه الأسباب، تمنى الخطيب على المزارعين «إظهار الجديّة في التعاطي مع هذه الإرشادات التي تصبّ في مصلحتهم، إن لجهة تحقيق النتائج المرجوّة من عمليّة التسميد، أو لناحية توفير مبالغ مالية تذهب هدراً من جراء سوء استخدام الأسمدة على نحو صحيح».
وبعيداً عما يقوله الخبراء عن عملية تسميد التربة، أثبتت الدراسات أن تسميد الأشجار تسوده بعض الاعتبارات «لناحية الصعوبات التي تواجه التطبيق العملي للتسميد المتوازن، لأن الأشجار المثمرة لا تستفيد من الأسمدة المضافة بالطريقة نفسها التي تستفيد منها المحاصيل الحوليّة (نباتات خضار ورقيّة ودرنيّة ... )». ولذلك يجب أن يراعى المحصول الحالي واللاحق للثمار، من خلال 3 أهداف «أولها تغذية المحصول الحالي وثانيها تكوين البراعم الثمريّة اللاحقة وثالثها تكوين مخزون غذائي في الجذور والأغصان للمراحل اللاحقة». ويضاف إلى ذلك أن «التغذية الملائمة للأشجار المثمرة تتطلّب وجود العناصر الغذائيّة بصورة صالحة للامتصاص واستثماراً جيداً للتربة ونشاطاً فعالاً للجذور، إذ إن ذلك يرتبط بالصفات الفيزيائيّة للتربة (البناء، التهوئة، الحرارة)، وما يمكن أن يضاف اليها عن طريق الأسمدة». وفي شرح لوظيفة الأسمدة، يجمع الخبراء الزراعيون على أن الأشجار المثمرة تستنزف العناصر الغذائيّة، وأن زيادة إنتاج الثمار تتطلب إضافة كميات من فوسفات البوتاسيوم الذي يلعب دوراً جوهرياً في نضج الثمار والخشب، كذلك يعتبر التسميد الآزوتي العنصر الأكثر فاعليّة على نمو النبات، لأنه يتحرّك مع حركة ماء التربة.