شارك ثلاثة علماء آثار يعملون على مواقع لبنانية، هي: إسكندرونة في جنوب صور، أنفه في شمال لبنان، وموقع جبيل، في محاضرة نظمها المعهد الفرنسي للشرق الأدنى بعنوان: «الآثار البحرية في لبنان». دراسات العلماء تناولت الزلاقات في هذه المرافئ من دون الآثار المغمورة. البداية كانت مع زينة حداد التي تعمل على مسح المواقع الأثرية البحرية في جنوب لبنان إلى جانب علي بدوي المسؤول عن منطقة الجنوب في المديرية العامة للآثار. عرضت حداد الأهمية الاستراتيجية لخليج إسكندرونة الذي يقع في أسفل رأس البياضة المطل على سهل صور، والذي يتحكم بالطريق الساحلية التي تربط صور بعكا عبر رأس الناقورة. ثم تحدثت عن أبرز محاولات تفسير التسمية التي يبدو أنها ترتبط بالحصار الذي أقامه الإسكندر المقدوني على مدينة صور الفينيقية عام 332 ق.م. فتذكر المصادر أن المقدوني نصب خيمته على رأس البياضة طوال مدة الحصار، ما يفسر الاسم في اليونانية: «ألكسندرو ـــــ سكيني»، أي خيمة الإسكندر. وقد تحول مع الوقت إلى اسم إسكندرونة.

من أبرز الآثار في الموقع بقايا خمس زلاقات طولها يراوح بين 16 متراً و24 متراً وعرضها 7 أمتار. قد تكون هذه بقايا لمرفأ فينيقي؛ إذ تتشابه الزلاقات مع تلك التي عثر عليها في مرافئ فينيقية جرت فيها حفريات أثرية، كموقع كيتيون في قبرص. تضيف زينة أن في الموقع بقايا لأساسات مبنى وقرميد من العصرين الروماني والبيزنطي، قد يكون مخصصاً لرفع السفن إلى اليابسة. وتضيف أنّ الموقع كان من المحطات المهمة وتذكره المصادر الرومانية على أنه استراحة، ويبدو أنه حافظ على هذه الصفة حتى القرن الثاني عشر الميلادي. وتطرقت عالمة الأثار إلى وجود بقايا تحصينات من الفترة الصليبية في رأس البياضة، تعرف باسم خربة إسكندرونة، قد تكون بقايا الحصن الذي أقامه الصليبيون لمحاصرة صور. أما في ما يتعلق بموقع أنفه، فانطلق عالم الآثار ميشيل حلو في عرضه لما توصل إليه في دراسته لزلاقتي رأس أنفه التي يقول حلو «إنها كانت جزءاً من المنظومة الدفاعية للقلعة الصليبية التي عرفت باسم «لو نيفان» والتي دمرها المماليك عام1289. هكذا، كانت ترفع السفن الحربية إلى الأمان في داخل القلعة من خلال الزلاقتين: الكبيرة وطولها 35 متراً بعرض 5 أمتار والصغيرة وطولها 8 أمتار وعرضها يراوح ما بين 7.3 و4.3 أمتار. وتجدر الإشارة إلى أن صيادي الأسماك في أنفه لا يزالون يستخدمون الزلاقة الصغيرة لرفع مراكبهم إلى اليابسة.
أما المداخلة الأخيرة، فكانت مزدوجة، وتمحورت حول عرض آخر ما توصلت إليه الدراسات في ما يخص الآثار البحرية في جبيل. وتناولت الباحثة في المعهد الفرنسي، مارتين فرنسيس ألوش، الإطار التاريخي للعلاقات التجارية بين مصر وجبيل وصعوبة تحديد موقع المرفأ الفينيقي الذي لم تتغير احتمالات وجوده في ثلاث مناطق: الأولى في خليج الشامية، الثانية في منطقة دار الأيتام الأرمنية وجزيرة ياسمين، والثالث عند ثغر نهر الفيدار. أما جنين عبد المسيح، فعرضت دراسة عن المقالع البحرية في جبيل. ولفتت الأستاذة في الجامعة اللبنانية إلى أن المشكلة الأساسية التي تعترض البحث في جبيل هي الردم الناتج من أعمال التنقيب الذي غطى أجزاءً مهمة من الشاطئ. واتفق المحاضرون على أنّ دراسة الآثار البحرية في لبنان تعاني غياب التمويل والإمكانات الحديثة.