صدرت أخيراً عن مكتب الادعاء العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان المذكرة العلنية الأولى الموقّعة من القاضية اللبنانية جويس تابت، التي تشغل منصب نائبة المدعي العام الدولي. تردّ تابت من خلال هذه المذكرة على محامي أسد حسن صبرا، الذي كان دنيال بلمار قد اتهمه بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، معرّفاً عنه بالمنتسب الى حزب الله. المحاميان دايفد يونغ وغينايل ميترو كانا قد شكوَا الادعاء في 23 شباط الفائت بإخفاء معلومات عن الدفاع، ما يمثّل تجاوزاً لمعايير العدالة، ومخالفة للتوجيهات التي صدرت عن قاضي الإجراءات التمهيدية دنيال فرانسين، في 24 كانون الثاني 2012.
أبرز ما في ردّ تابت على صبرا هو دفاعها عن سرية إفادة أدلى بها ضابط الاستخبارات البريطاني السابق مايكل تايلور، الذي يشغل منصب رئيس دائرة التحقيق في مكتب المدعي العام. فقد ادّعت القاضية اللبنانية أن تلك الإفادة كانت قد عُدّت سرية لدى الإدلاء بها في 3 أيار 2011، وبما أنها تعني «حماية أشخاص على علاقة بالتحقيق الجاري» فإن عدم اطلاع فريق الدفاع على مضمونها مبرّر.
يذكر أن تابت، في معرض تبرير إخفاء معلومات عن فريق الدفاع، تمسّكت بنصّ المادة 116 من قواعد الإجراءات والإثبات (كرّرت الإشارة الى هذه المادة نحو سبع مرّات في نصّ المذكرة) التي تجيز عدم الإبلاغ إذا كان الأمر «قد يؤدي الى (1) إلحاق الضرر بالتحقيقات الجارية أو اللاحقة؛ أو (2) تمثيل تهديد خطير لسلامة أحد الشهود أو سلامة عائلته؛ أو (3) أن الأمر لسبب أو لآخر مخالف للمصلحة العامة، أو لحقوق الأطراف الثالثة». ولم تحدّد تابت اذا كان التمسّك بسرية إفادة ضابط الاستخبارات البريطاني السابق مرتبطاً بحقوق «الأطراف الثالثة»، وما هي هوية تلك الأطراف. المحاميان يونغ وميترو كانا قد شكوَا إخفاء مكتب المدعي العام معلومات تتضمنها ستة مستندات من أصل ثمانية، كانت مرفقة بطلب مشاركة بعض ضحايا جريمة 14 شباط 2005 في إجراءات المحكمة. تردّ تابت على ذلك مدّعية أن المعلومات التي حذفها الادعاء من المستندات المذكورة هي «الحدّ الأدنى من أجل حماية فعّالة للشهود والضحايا والتحقيق الجاري». وأثارت تابت موضوع «معلومات حساسة بشأن بعض الشهود، وبشأن التحقيق الجاري، ما قد يعرّضهم للمخاطر اذا انكشفت» (الفقرة 8)، لكنها لم تحدّد مصدر تلك «المخاطر» وطبيعتها، بل استعاضت عن ذلك بالقول في المذكرة إنه «لا يمكن الادعاء أن يكشف عن تقويم المخاطر التي تتعلّق بالشهود» (الفقرة 9). ورداً على طلب المحاميين الاطلاع على ما تقدم به الادعاء في 10 كانون الثاني 2012، قالت تابت إن هذه المستندات سرية «ويجب أن تبقى سرية لأنها تتضمن المنهجية التي يعتمدها الادعاء في تقويم المخاطر، والتي جرى تطويرها بفضل مساهمة وحدة الضحايا والشهود التابعة لقلم المحكمة». وتابعت الشرح مدّعية «أن هذه المنهجية بمثابة خريطة طريق للتعرف الى المبادئ الأساسية التي يفترض مراعاتها خلال التحضير لتقويم المخاطر» (الفقرة 17). والمستغرب ليس تشديد القاضية اللبنانية على سرية المعلومات، بل على سرّية المنهجية المعتمدة. ويمثّل ذلك تجاوزاً واضحاً للحدّ الأدنى من متطلبات الشفافية، كما يدلّ التكتم عن المنهجية على أن أجهزة المحكمة، ومكتب المدعي العام على نحو خاص، يستخدمان أساليب لا تتناسب مع «أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية» (القرار 1757/2007).
أما في شأن طلب فريق الدفاع الاطلاع على تسجيلات صوتية ومرئية (أوديو وفيديو) أحيلت على قاضي الإجراءات التمهيدية، فقالت تابت إن الادعاء سيطلب التشدد في السرية بشأنها في 15 آذار الجاري. وذكرت القاضية أن نسخة خطية عن مضمون تلك التسجيلات كانت قد خضعت لحذف بعض الفقرات، قبل أن تسلّم الى الدفاع في 16 شباط الفائت. وأشارت الى أن «الدفاع لم يحدّد كيف يمكن أن يؤثر ذلك في قدرته على إعداد الملف وعلى مفهومه للتهم»، متجاهلة مبدأ التوازن الذي تقوم عليه المحكمة العادلة، أي إن تابت لا تعير أيّ اهتمام على ما بدا لحقّ الدفاع الاطلاع على كلّ ما تقدّم به الادعاء ليتمكن من ردّ التهم. أما إذا أصرّ الادعاء على الاحتفاظ بمواد وبمعلومات خاصة بالتحقيق بحجة حماية الشهود أو بحجج أخرى، فلا شكّ أن هذا سيضعف قدرة المحامين على مواجهته، وسيمنح تابت وزملاءها فرص تثبيت التهم التي تستهدف منتسبين إلى حزب الله بطرق ملتوية عدلياً.
أخيراً أخذت القاضية تابت على عاتقها إعطاء دروس لقاضي الإجراءات التمهيدية، الذي لم يعترض على إشارة مذكرة يونغ وميترو الى تعاون فريق دفاع المتهمين الأربعة، فدعته الى عدم السماح بذلك. واحتجّت على تصرّف محاميَي صبرا، وطلبت منهما التواصل مع مكتب المدعي العام مباشرةً من دون المرور بالقاضي فرانسين.



إرهاب؟

«المتهمون الأربعة مناصرون لحزب الله، وهو منظمة سياسية وعسكرية في لبنان. وفي الماضي، تورط الجناح العسكري لحزب الله في عمليات إرهابية». وردت هذه الجملة في الفقرة 59 من قرار الاتهام. فهل سأل المدعي العام دنيال بلمار نائبته اللبنانية جويس تابت عن ذلك قبل إضافته الى قرار الاتهام؟ لا يذكر بلمار في نصّ القرار المصدر الذي استند إليه للحسم بتورط حزب الله في الإرهاب، إذ إنه ليس هناك توافق دولي أو إقرار أممي جامع على تصنيف الحزب إرهابياً، بل إن حكومة الولايات المتحدة تقود منذ ثمانينيات القرن الماضي حملات إعلامية وسياسية لتشويه صورة حزب الله، عبر تصنيفه منظمة إرهابية أسوة ببقية التنظيمات المشاركة في مقاومة آلة الحرب الإسرائيلية، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها.



حرب مكتب المدعي العام على السيد

لا يزال مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري يضع عقبات أمام تسليم اللواء الركن جميل السيد المستندات التي يطلبها، من أجل مقاضاة المسؤولين عن اعتقاله لنحو أربع سنوات تعسّفاً. فتقدم الادعاء بطعن أمام غرفة الاستئناف في 29 شباط الفائت، مدّعياً أن الأوامر التي وجّهها قاضي الإجراءات التمهيدية دنيال فرانسين بتسليم السيد مستندات موجودة في حوزة مكتب المدعي العام، لا تتناسب مع متطلبات حماية الشهود. وبالتالي يبدو أن مكتب المدعي العام يستخدم حجة حماية الشهود في كلّ مناسبة لإخفاء معلومات قد تفضح أمور أخرى. وللمفارقة فإن التقرير الأول للجنة التحقيق الدولية التي ترأسها بلمار لاحقاً، نشر أسماء وإفادات شهود من دون وجود برنامج لحمايتهم.