يحرص علماء الآثار وكل المعنيين بالمحافظة على موقع المرفأ الفينيقي في بيروت، على إبقاء الموضوع مطروحاً في الإعلام، فلا يكاد يمر شهر إلا يكون قد نشرت شيئاً عن الموضوع. الكل يخاف من قرار وزير الثقافة الحالي غابي ليون رفع الموقع عن لائحة الجرد العام والإتاحة لأصحاب العقار استبداله بالأبراج. الخوف قد يكون أو لا يكون مبرراً. لكن حتى صدور المرسوم النهائي، تبقى المطالبة بالمحافظة على الموقع واجباً مدنياً وثقافياً، وإن كان لا يجب أن يأتي ذلك على خلفية التشهير بعلماء الآثار أو التطبيع مع إسرائيل. في المقالات، غالباً ما يستطرد المدافعون
ويبدون رأيهم باللجنة العلمية التي تدرس ملفات وزارة الثقافة، فيأتي وصفهم لأعضائها بائساً. فيصبح المهندس سامي الشامي مجرد أستاذ في الجامعة، في حين أنه من أوائل المهندسين اللبنانيين المتخصصين في ترميم الآثار وإدخالها في المواقع الأثرية، ولديه خبرة طويلة في المديرية العامة للآثار وخصوصاً في موقع صور. أما الدكتور الفرد نقاش، فيختصر بأنه عالم لغات قديمة، علماً بأنّه كان أول من صور وأرشف ونشر أخبار تدمير المواقع الأثرية في بيروت. أما الدكتور حسان سلامة سركيس فيكتفى بذكر أنه لم يحفر منذ أكثر من 20 سنة، لكن ذلك لم يبعده عن علم الآثار، فكتبه تدرّس في الجامعات لأنها ترشد الطلاب إلى أساليب الحفر، ومبدأ علم الآثار، إضافة إلى أنه كان أول من طُلب منهم العمل في بيروت، لكنه رفض. ما يجمع هؤلاء العلماء الثلاثة ليس شغفهم في الآثار فحسب، بل أيضاً نزاهتهم، فلن يأتي يوم من يلومهم على تدمير موقع أثري في بيروت. هؤلاء أدركوا منذ البداية أنّ الحوار مع سوليدير باطل. فمن العار المساس بصدقيتهم، وخصوصاً أنّ أحداً منهم لم يتطرق إلى اللجنة العلمية السابقة ولم يشكك بقراراتها، مع العلم بأن عدداً من أعضائها كانوا يعملون في بيروت وبتمويل من سوليدير. فلم هذا التهجم الشخصي الذي يبعد طلب المحافظة عن فحواه؟ وأخطر من ذلك أن يأتي موضوع تدويل القضية فتدخل إسرائيل طرفاً. هنا لا يتأخر المدافعون عن الملف في إدخال علماء آثار عالميين وكأن طرق الدفاع ضاقت بهم، فطلبوا المساعدة من الخارج، ولم يتأخروا عن مطالبة علماء آثار عملوا في إسرائيل لسنين طويلة. هكذا، بكل بساطة، يؤخذ برأيهم «العلمي والأكاديمي». أما ميولهم السياسية ودعمهم لإسرائيل فتصبح ثانوية، لا بل تنشر تعليقاتهم التي تطالب بالمحافظة على الموقع. نعم، هناك زلاقات مشابهة لتلك المكتشفة في بيروت في موقع تل الدور في فلسطين، وجرت المحافظة عليها لأنها داخل موقع أثري ضخم ولأنّ لإسرائيل مصلحة واضحة في ذلك، وإلا لكانت قد جرفت الزلاقات قبل أن يعرف بها أحد. المحافظة على الآثار في لبنان لا تتم على أساس المقارنة مع إسرائيل.
مطلب المحافظة على الزلاقات الحجرية في بيروت يجب أن يبقى جوهر القضية، هو موقع أثري فريد من نوعه، مطلوب المحافظة عليه.