منذ نحو 3000 عام، وصلت ملكة سبأ إلى أوراشليم مع كميات هائلة من الذهب والبخور هدية للملك سليمان. حادثة اتت على ذكرها معظم المصادر التاريخية والتوراة والقرآن، وكثيراً ما كتبت المراجع التاريخية عن هذه المرأة التي خرجت عن المألوف بدهائها وحكمتها وغنى مملكتها. وكانت الملكة قد اتت لزيارة الملك سليمان الذي اشتهر بحكمته.
واعتبرت الحادثة، لقرون طويلة، بمثابة اسطورة. ولكن، في القرن الماضي، بدأ بعض علماء الآثار البحث عن مملكة سبأ التي ساد الاعتقاد بأنها تقع بين اليمن واريتريا وتمتد على ضفتي البحر الاحمر. حتى ان اليمن بات يسوق بعضاً من مواقعه الاثرية على انها مملكة سبأ. ولكن، اتى اكتشاف اثري في اثيوبيا ليغيّر هذه المعطيات. ففي الاسبوع الماضي، أعلنت عالمة الآثار البريطانية لويز شوفيلد أنها عثرت على أحد مناجم الذهب، ومعبد وأرض معركة كانت تعود إلى مملكة سبأ في موقع هضبة غرلتا في شمال إثيوبيا التي كانت تمتد بين إثيوبيا واليمن بين القرن الثامن ق.م والقرن الثاني الميلادي.
وتقول شوفيلد، التي رأست عمليات التنقيب وهي عالمة آثار ومديرة سابقة للمتحف البريطاني: «من أحب أوجه علم الآثار إليّ إمكانية ربط الأساطير بالواقع، فامكانية العثور على مناجم ملكة سبأ أمر رائع!». والمعروف عن هذه العالمة انها تبحث عن هذه الاماكن الصعبة، وهي كانت قد اكتشفت سابقاً في تركيا مدينة زوغما الرومانية التي كان يعرف ان جمال أبنيتها يضاهي جمال روما. والدليل على ان هذه المناجم تعود لملكة سبأ لوحة حجرية عليها نقش لهلال وشمس وعليها كتابة بلغة أهل سبأ، لم تتم ترجمتها بعد، وعلى مقربة من المنجم عثر على بقايا معبد وموقع معركة قديمة حيث اكتشفت كميات من العظام البشرية.
عمليات التنقيب في الموقع لم تبدأ بعد، إذ لم تحدد الميزانيات الخاصة بها، وتقول شوفيلد إن العمل سيكون لتحديد ضخامة منجم الذهب الذي حفره البشر قبل آلاف السنين، ومن ثم ستبدأ عملية الكشف على بقية المعالم الاثرية في المنطقة لكشف تاريخ مملكة سبأ. وتجدر الإشارة الى ان شوفيلد لم تأت هذه السنة الى هضبة غرلتا للتنقيب، وإنما لاتمام مشروع يهدف إلى تعزيز قدرات الري والزراعة في هذه المنطقة من إثيوبيا بعدما كانت قد أمنت تمويله من منظمة خيرية اسستها لمساعدة 10.000 شخص من اهالي المنطقة. فكان الاكتشاف بمثابة مفاجأة كبيرة. وتأمل شوفيلد ان يساعد هذا الاكتشاف في إدخال المنطقة في السياحة، خصوصاً ان مملكة سبأ عقدة أساسية في تجارة البخور والبهارات في العالم القديم.
ورغم أن القليل يعرف عن ملكة سبأ التي تنسب اليها اسماء مختلفة بحسب الديانات، إلا نها كانت رمزاً للدهاء والحكمة في العصور الوسيطة في أوروبا كما في التراث الفارسي والتركي. ولا تزال قصص الملكة تروى في البلدان العربية وإثيوبيا. وقصتها مع الملك سليمان تعتبر من اقدم قصص الحب في العالم. فالتوراة تروي فصول زيارتها للملك سليمان وكيف امتحنت حكمته عبر الطلب منه حلّ ألغاز عديدة. أما القصة الإثيوبية، في كتاب «الكبرا ــــ نغسة»، فتروي كيف أصبح ابن سليمان والملكة، منيليك (أي ابن الرجل الحكيم) ملكاً على إثيوبيا.