أطلقت دائرة التغذية وعلوم الغذاء في الجامعة الأميركية في بيروت بحثاً ميدانياً مهمته «دراسة الوضع الغذائي وحالة أمان الغذاء العائلي في لبنان». البحث الذي تقوده كل من الأستاذتين نهلا حولا من دائرة التغذية، وهلا غطاس من دائرة الصناعات الغذائية في الجامعة، يستند إلى استبيان «يبحث في مدى قدرة الناس على الحصول على كمٍّ كافٍ من الطعام واستطلاع مدى شعورهم بالرضى على ما يوفرونه من أنواع جيدة لعائلاتهم، وبالتالي تحقيقهم للأمن الغذائي».
انطلاقاً من هذا الهدف، حملت الباحثتان أسئلتهما وانطلقتا في جولة عبر المناطق اللبنانية، وخصوصاً ذات المستوى المعيشي المنخفض للاطلاع على الواقع الغذائي للعائلات، الفقيرة منها والميسورة أيضاً. قادتهما الجولة إلى بلدات بقاعية وجنوبية وشمالية، قابلتا فيها عينات مختلفة من مواطنين ورؤساء بلديات وإعلاميين ومثقفين ومعدمين. قبل أسبوع، حطت الباحثتان الرحال في مقر اتحاد بلديات قضاء صور، بمشاركة أعضاء بلديات وموظفين وإعلاميين وعمال وناشطين في العمل الأهلي. وقد تطرق النقاش إلى الحديث عن الموارد الغذائية المتوافرة في القضاء، الذي لا يزال يصنف ريفاً ويضم مساحات زراعية كبيرة. وتبين أن النسبة الأكبر من سكان بلدات الاتحاد الـ63 قد أقلعت عن عاداتها الغذائية القديمة، حيث لم تعد «حواكير» الخضر والفواكه تميز بيوتهم، فباتوا يعتمدون اليوم على البسطات ومحال بيع الخضر لتأمين حاجاتهم، رغم إقرارهم بأنها ليست صحية على النحو الكافي. كل هذا يوصل إلى نتيجة واحدة مفادها أن إقلاع الناس في القرى عن الزراعة، كبّد ذوي الدخل المحدود منهم أعباءً إضافية، وخصوصاً مع الارتفاع المطرد لأسعار الخضروات. الأمر الذي أدى بهؤلاء إلى «تقليل الكمية التي يتناولونها واختيار الأقل جودة منها، لكونها الأقل سعراً أيضاً». أما المنتجات البلدية الزراعية والحيوانية الخالية من المبيدات والأعلاف الصناعية، فسعرها يفوق قدرة الجميع. وخلال النقاش، عرض أحد الأشخاص تجربته الخاصة في التبضع لأسرته المؤلفة من سبعة أفراد. هذا الرجل الذي يتقاضى راتباً بالكاد يتخطى الحد الأدنى للأجور يجبر «على اختيار علبة اللبنة الجاهزة التي لا يتخطى سعرها الألفي ليرة»، رغم إدراكه أنها «أقل جودة وسلامة من العلبة ذات الخمسة آلاف ليرة». قد لا تكون التجارب واحدة لدى الجميع، إلا أنها تتقارب، فهناك الكثير من الأشخاص «على قد الحال»، بالكاد يستطيعون توفير القوت، وهو ما توصلت إليه الباحثتان في نقاشاتهما. يذكر أن النتيجة النهائية للدراسة ستنشر في المجلات الأكاديمية العلمية المتخصصة، على أن تعرض في ما بعد على الهيئات الدولية المانحة والمعنية بتمويل مشاريع تنموية وإنسانية تسهم في توفير «الأمن» لفاقديه.