اللاجئ ليس عبارة عن شخص يأكل ويشرب ويرضى براتب قليل مقابل عمله، الذي غالباً ما يرفض اللبناني إنجازه، بل هو أيضاً شخص يتشارك العيش مع اللبناني في هذا المجتمع، ويتأثّر بكل الأحداث السياسية والاجتماعية والأمنية التي تحصل فيه. هكذا، عندما وصل زمن، الشاب العراقي، إلى «أرض المهجر» أو الضاحية الجنوبية لبيروت، كان أول شيء افتقده، المساحات الخضراء. ووجد الفرصة للتعبير عن ذلك في مشروع «توبيز»، الذي نظّمته «مؤسسة عامل ـــــ مركز دعم اللّاجئين» على مدى ستة أشهر، وتوّج أمس بعملية تشجير، أو غرس مئة شجرة، في حديقة «الكوكودي» في الضاحية الجنوبية. جمع المشروع عشرة شباب لبنانيين، مع أحد عشر لاجئاً عراقياً، بقي منهم ستّة بعد اضطرار الباقين إلى العودة إلى بلدهم. فكّروا معاً، من خلال ثلاث ورش عمل وستة اجتماعات، في طريقة لتحسين المجتمع الذي يعيشون فيه، لكن مشروع «توبيز» المقترح لا يهدف فقط إلى جعل الشباب يفكّر في كيفيّة خدمته لمجتمعه، بل هو ينضوي تحت العنوان الكبير الذي اختارته «عامل» لنفسها هذه السنة، وهو «الاندماج»، أي حثّ الشباب العراقي على الخروج من قوقعة «اللّاجئ» والانفتاح كما التعامل مع الجمعيات اللبنانية والشباب اللبناني، إذ يهدف إلى العمل على تأسيس مجموعة من المتطوّعين الشباب، تمثّل إطاراً للعمل بين الشباب اللبنانيين واللاجئين العراقيين لـ«تحسيس» الشباب اللبناني بوضع اللاجئين العراقيين من جهة، ومن جهة أخرى لإعطاء اللّاجئ إمكان التواصل والاندماج بالمجتمع اللبناني. يجري ذلك بالنسبة إلى المؤسسة عبر النشاطات التنمويّة والاجتماعية والرياضية.بما أنّ معظم اللاجئين العراقيين يقطنون في الضاحية الجنوبيّة، اختير المتطوّعون جميعاً منها، بما أنّ عليهم التفكير معاً بطريقة لتحسين المحيط الذي يعيشون فيه. خلال الاجتماعات اكتشف امتياز، الشاب العراقي، أن لا أحد من الطرفين ينتمي إلى «الفضاء الخارجي»، وأُسس الالتقاء موجودة، لكن التواصل مع اللبناني من قبل، كان يقف عند حدود إلقاء التحية، بينما يحافظ العراقيون على تكتّلهم كما جيرانهم اللبنانيون، لكن من خلال «توبيز» اكتشف الطرفان أن أفكارهما المسبقة عن بعضهما البعض ليست بالضرورة صحيحة. فالمشروع جعل امتياز يتبادل أفكاره الخاصة والحميمة مع شباب لبناني من عمره، ليكتشف أنّ ما يقال عن عنصريّة اللبناني تجاه اللاجئ «وحبّه للمظاهر ونفسه فقط» ليس صحيحاً، «فيما فوجئ اللبنانيون بأنّنا شباب أصحاب مواهب»، كما تقول سكنة، المتطوّعة اللبنانية في المشروع، إنّ «اللاجئين العراقيين أصبحوا واقعاً في مجتمعنا، وعلينا أن نجد طريقة للاندماج معهم، كي لا يبقى أحد يعيش على هامش الآخر». بالنسبة إلى المسؤولة عن نشاطات الشباب في «مؤسسة عامل» لينا علّيق، اكتشف الشباب أنّهم يتقاسمون الهموم والأحلام ذاتها. فالشباب اللبناني أيضاً يعاني البطالة، وبعضهم يبحث عن سبيل للخروج من البلد، كما أنّه يبحث عن طرق مختلفة لتحقيق أحلامه.
بعد جمع أفكارهم والتفكير في محيطهم والمكان الذي يحبون العيش فيه، وجد الشباب معاً أنهم يريدون أن يعبّروا عن حاجة الضاحية إلى مساحات خضراء، تكون متنفّسها، بعدما صبغها ازدحام الناس والسير بلونه الرمادي. بالنسبة إلى زمن هي أيضاً طريقة اللّاجئين لترك بصمة، أو هدية لجيرانهم، هم الذين لا يعرفون في أيّ لحظة قد يضطرون إلى الرحيل.