انهار مبنى فسوح، وقتل القاطنون فيه. استفاق الوطن على كارثة. لكن، لم تطرح بعد ضرورة حماية الابنية التاريخية. رئيس بلدية بيروت صرح بأن «20% من الابنية التاريخية آيلة للسقوط». وبدا وكأنه واصحاب العقارات يتمنون انهيار تلك المباني، لا بل ويدفعونها الى هذه الحالة. فلنأخذ، مثلاً، بيت بشارة الخوري وبيت السيدة فيروز في زقاق البلاط، كل الملفات باتت جاهزة والعقاران أدخلا في الجرد العام، ومرت المعاملات على كافة الوزارات لكي تستملك بلدية بيروت العقارين وتعمل على ترميمهما ليصبحا من المعالم التاريخية للمدينة. كان هذا قبل عام، فماذا تغير؟ بات وضع البيتين اسوأ. بيت بشارة الخوري من دون سقف. مياه الامطار تفتك بسقفه الخشبي المزخرف. والمياه المبتذلة تدخل الى اعماق إنشاءاته وتضعفها. الحشائش والاشجار تغطي جدرانه الخارجية والداخلية وجذورها تفسخ الحجارة. امام هذه الحالة المأساوية يطرح السؤال البسيط: ماذا تنتظر بلدية بيروت؟ لا بد انها تنتظر أن ينهار البيت الذي يعتبر من اجمل معالم المدينة التاريخية، هكذا لن يكون هناك جدوى من استملاكه وصرف الملايين على ترميمه وتأهيله.
اما بيت السيدة فيروز، فحدث ولا حرج. نصفه انهار بسبب اعمال البناء في الورشة الملاصقة له، والنصف الباقي لا يزال ينتظر مرسوم الاستملاك الذي سيتأخر حتى يقع آخر حجر منه!
من جهة اخرى، هناك مالكو العقارات القديمة الذين ينتظرون الشتاء بفارغ الصبر على امل ان تنهار الابنية القديمة بسبب الامطار. لنأخذ قصر حنينة في زقاق البلاط مثلاً، فهو بات في حال مزرية، وكأن المياه الآسنة التي كان العمال القاطنون فيه والتي يتركونها على ارضيته لم تعد تكفي، لتأتي الورشة الملاصقة له وتحدث فجوة هائلة في واجهته الاساسية بعدما اصطدمت الرافعة (خطأ طبعاً) بالحائط وهدمت نصفه. ولأن البيت مدرج على لائحة الجرد العام، طلبت وزارة الثقافة من مالك العقار الجديد القيام بما هو ضروري للمحافظة على المبنى.. فأقفل الجدار المنهار بقطعة كبيرة من النايلون تطير كلما «نسّم» الهواء، وتدخل المياه بما لديها من قوة الى الداخل. وفي إشارة واضحة الى ان المبنى آيل الى السقوط، تركت السيدة زينا حداد الطابق العلوي من البيت. ورحيل السيدة حداد ليس سهلاً، فقصر حنينة كان مقر الدكتور داهش وهو مركز الصلاة لأتباعه في لبنان. ففي القاعات العليا ترتفع صور داهش في ما يشبه المزار، وتلعب في هذا الاطار السيدة حداد دوراً اساسياً لكونها من المقربين من الدكتور ومن قاطني المبنى منذ 1936! وهي لم تتركه خلال الحرب، فهل تركته بسبب التصدع الزائد؟ ترفض هي ومعاونوها الاجابة.
إذ ما إنهارت هذه البيوت التاريخية، هل يمكن مقاضاة اصحابها وبلدية بيروت بسبب اهمالهم المقصود لها؟ الم يحن الوقت بعد ليأخذ وزير الثقافة الحالي بعضاً من الاجراءات الحقيقية لحماية بيوت بيروت التاريخية مثل إعادة طرح ملف قانون حماية الأبنية الاثرية وإجبار البلدية على الاستملاك ومقاضاة المالكين بهدف الاهمال المقصود؟ الى متى الانتظار؟ حتى الانهيار والبكاء على الاطلال؟